الجرائم العشر الأكثر وقوعًا في السلطنة

د. خالد بن أحمد الشعيبي
الجريمة crime  هي ظاهرة اجتماعية موغلة في القِدم وفي الانتشار؛ إذ لا يكاد يخلو مجتمع أو دولة منها، بل صاحب هذا الانتشار العالمي للجريمة تطور متسارع في الظاهرة الإجرامية  criminal phenomenon، فلم تُعد الجرائم ترتكب بذات الأساليب التقليدية المألوفة، وإنما اتخذت أنماطاً جديدة مستحدثة غايةً في التنظيم والتجهيز والتنفيذ، حتى بلغت خطورتها حداً حدا بهيئة الأمم المتحدة ((UN في عام 1980 إلى عقد مؤتمر دولي خاص بمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، وقد تبنى المؤتمر مجموعة من التدابير والاستراتيجيات لمنع الجريمة crime prevention strategies.

ومع تصاعد معدلات الجريمة crime rates- لا سيما الأنواع الخطيرة منها- وما رافقها من ذعر للمجتمعات وجزع للحكومات، عاودت هيئة الأمم المتحدة في عام 2015 عقد مؤتمر آخر بشأن منع الجريمة والعدالة الجنائية، أوصى بضرورة إدماج استراتيجيات مكافحة الجريمة في جميع السياسات والبرامج الاجتماعية والاقتصادية ذات العلاقة، مع تدعيم التعاون بين أفراد المجتمع والشرطة، وكذلك خلق شراكات بين القطاع العام والخاص لمنع ومكافحة الإجرام بكافة أشكاله ومظاهره.[1]

وعلى الرغم من هذه الجهود الدولية الحثيثة، كشفت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC) عن وجود ارتفاع في حجم الجرائم المسجلة volume of recorded offences بنسبة تجاوزت 15% في بعض الدول؛ حيث تصدرت جرائم السرقة robbery، والقتل العمدي intentional homicide، والإيذاء assault، والاغتصاب rape، وسرقة المركبات motor vehicle theft، والسطو على المنازل burglary، والتحرش الجنسي sexual harassment، وجرائم المخدرات drug offences، والاختطاف Kidnapping، وجرائم المعلوماتية cybercrimes قائمة الجرائم الأكثر شيوعاً على مستوى العالم.[2]

أما في السلطنة، فطبقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن الادعاء العام، بلغ عدد الجرائم المُبلغ عنها في عام 2019 حوالي 28920 جريمة،[3] منها 1446 جناية بنسبة إجمالية بلغت (4.76%)،[4] و27237 جنحة بنسبة بلغت (%95.24)،[5] وهو ما يشكل ارتفاع بنسبة (%1.1) عن الجرائم المرتكبة في عام 2018، والذي شهد بدوره ارتكاب 27672 جريمة، منها 1500 جناية بنسبة قدرها (5.14%)، و26066 جنحة بنسبة قدرها (94.86%)، مما مثل انخفاضاً طفيفاً بنسبة (0.1 %) عن الجرائم الواقعة في عام 2017. [6]
وبالنسبة للجرائم العشر الأكثر وقوعاً في السلطنة خلال عام 2019، فقد جاءت جرائم الشيكات في المرتبة الأولى،[7] تليها جرائم مخالفة قانون إقامة الأجانب، ثم جرائم مخالفة قانون العمل، ثم جرائم التهديد والسب والقذف، ثم جرائم المخدرات والمُؤثرات العقلية، ثم جرائم مخالفة قانون المرور، ثم جرائم السرقة وابتزاز الأموال، ثم جرائم مخالفة قانون حماية المستهلك، ثم الجرائم التقنية والإلكترونية، وأخيراً الجرائم الماسة بالأسرة والمجتمع.[8]

أما في عام 2018، فقد جاء ترتيب الجرائم العشر الأكثر ارتكاباً على النحو الآتي: جرائم الشيكات، جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية، جرائم السرقة وابتزاز الأموال، جرائم مخالفة قانون العمل، جريمة إهانة الكرامة، جرائم مخالفة قانون حماية المستهلك، جرائم مخالفة قانون إقامة الأجانب، جرائم مخالفة قانون المرور، جرائم الإيذاء البسيط، جرائم إساءة الأمانة.

وبمقارنة هذه الجرائم الأكثر شيوعاً، يُلاحظ تكرارها واستمرارها خلال الأعوام الماضية، مع التذبذب في ترتيبها والتفاوت في نسبها، وهو أمر قد يكون متوقعاً، وقد لا يختلف كثيراً عن المشهد الدولي السابق بيانه. إلا أن جرائم الشيكات في عام 2019 بلغت 4845 جريمة، أي بنسبة زيادة قدرها (1.81%) عن عام 2018، وهو ما قد يعرقل النشاط التجاري ويعيق النمو الاقتصادي. غني عن البيان، أن هذه الأعوام شهدت ركود اقتصادي، ومعدل جرائم الشيكات ــ كما تشير الدراسات ــ يرتفع في زمن الأزمات الاقتصادية،[9] إلا أن الدراسات أشارت كذلك إلى أن قصور الحماية الجزائية يؤدي ارتفاع وتيرة جرائم الشيكات، فالجرائم الواقعة على الأموال ــ بحكم عائداتها المالية ــ تتطلب عقوبات رادعة ترفع من تكلفتها وتقلل من ربحيتها، بما يُثني عن ارتكابها.

أما بقاء جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية ضمن طليعة الجرائم الأكثر انتشاراً في السلطنة، فإنه يثير القلق والمخاوف، إلا أن جرائم المخدرات تعتبر من الجرائم الخطرة التي ترتفع أعدادها وتنخفض تبعاً لنشاط وتطور أجهزة مكافحة المخدرات، والملاحظ أن أعداد هذه الجرائم شهدت انخفاضاً منذ التركيز على مكافحة المخدرات في السنوات الأخيرة؛ فقد تم ضبط 2497 قضية في عام 2017، بينما انخفض العدد قليلاً إلى 2328 قضية في عام 2018.[10]

وفي ظل جائحة كورونا Coronavirus Pandemic وما رافقها من حظرٍ للتجول وإغلاقٍ لبعض الأنشطة، فإنه من المتوقع حدوث تغيرات في معدلات الجريمة؛ حيث إنه بسبب وجود عدد كبير من الأفراد في مساكنهم، فإنه من المرجح أن السلطنة ستشهد انخفاضًا في جرائم سرقات المساكن. كما من المتوقع أن تقل جرائم سرقات المركبات، نتيجةً لوجود الجيران، وبالتالي توافر قدرة أفضل على الحراسة ورصد أي تحركات مشبوهة حول المركبات الموجودة بجوار المساكن، مع احتمالية توجه اللصوص إلى سرقة المحلات التجارية وأماكن العمل التي باتت شبه فارغة.

وعلى صعيد الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية وغيرها من الأنشطة الممنوعة التي ترتكب في الأماكن العامة، فأنها من المحتمل أن تشهد انخفاضاً بسبب التواجد الشرطي المكثف في هذه الأماكن، وكذلك نقاط الغلق والتحكم التي تقيمها الأجهزة الأمنية. إلا أن هذه السيطرة الميدانية قد تجبر الساعين للحصول على الممنوعات والمتاجرين بها على التحول إلى الفضاء السيبراني، والحصول على مآربهم عن طريق الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لذلك أكد تقرير صادر عن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (Interpol) على احتمالية ارتفاع معدل التهديدات السيبرانية وجرائم المعلوماتية والاحتيال الإلكتروني خلال أزمة كورونا.[11]

وإذا كانت أعداد الجرائم- سواء العادية أو المستحدثة- تتزايد في كل دول العالم تقريبًا، فإن معدلات الجريمة يجب أن تخضع لتحليل ومتابعة أجهزة الشرطة في مختلف الدول، وذلك نظرًا لأهميتها في فهم ومكافحة الظواهر الإجرامية. إلّا أنه من الخطأ الاعتقاد بأن مكافحة الجريمة هي مسؤولية تقع على أكتاف رجال الشرطة فقط؛ وذلك لأن التصدي للجرائم مسؤولية مجتمعية لن تؤتي ثمارها إلا بتكاتف كافة أفراد المجتمع، وكذلك السلطتان التشريعية والقضائية.

وتأكيدًا على دور التضامن المجتمعي في مكافحة الجريمة، أوصى مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية لسنة 2015 بأهمية اعتماد سياسات وبرامج وطنية في مجال محاربة الجريمة تتسم بالشمولية وبإشراك الجميع، وتأخذ بعين الاعتبار العوامل ذات الصلة والأسباب المؤدية للإجرام والظروف المساعدة على حدوثه، مع مراعاة تقديم التدريب والتأهيل الملائم للعاملين بالمنظومة الأمنية والقضائية.

****

المصادر:

[1] مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، الدوحة، 12 - 14 أبريل 2015.

[2]  European Institute for Crime Prevention and Control, Affiliated with the United Nations (HEUNI), International Statistics on Crime and Justice, (UNODC, 2010).

[3] شبكة الأخبار العُمانية، الادعاء العام يتعامل مع أكثر من 28 ألف قضية في 2019،  https://onn.om/، آخر زيارة بتاريخ 5/11/2020م.

[4] وفقاً للمادة (24) من قانون الجزاء رقم (7/2018)، "الجنايات هي الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المطلق أو السجن المؤقت من (3) ثلاث سنوات إلى (15) خمس عشرة سنة".

[5] الجنح ــ كما نصت المادة (25) من قانون الجزاء ــ هي "الجرائم المعاقب عليها بالسجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

[6] الادعاء العام، ملخص القضايا السنوي لعام 2018م، ص 9.

[7] حيث شكلت هذه الجرائم المنصوص عليها في المادة (356) من قانون الجزاء ــ وتحديداً أفعال إعطاء شيك لا يقابله رصيد قائم أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو كان الحساب مغلقاً ــ ما نسبته 13.4% من مجموع الجرائم المسجلة في عام 2019.

[8] شبكة الأخبار العُمانية، الادعاء العام يتعامل مع أكثر من 28 ألف قضية في 2019، المرجع السابق، ص1.

[9] Ezgi Bayak, Seeking for solutions to bounced cheque: example of Turkey, (2018) 8 Juridical Trib, p. 809.

[10] الادعاء العام، ملخص القضايا السنوي لعام 2018م، ص 9.

[11] Interpol, COVID-19 cyberthreats, https://www.interpol.int/Crimes/Cybercrime/COVID-19-cyberthreats.

تعليق عبر الفيس بوك