وزارة التربية والتعليم.. رفقا بأجيال الوطن

 

إبراهيم بن سالم الهادي

ibraim@alroya.net

 

لا يكاد يمر يوم على زيد دون تجوال بين أروقة الأسواق، يتنقل بين المكتبات ومحلات الكماليات، باحثًا عن كرتون ممزق أو لوح ممشق؛ ليوفر ما تطلبه المُعلمات أو بعض المعلمين لمشاريع مدرسية طُلبت من أطفاله ليقدموها قربانًا مقابل درجات ترفع من معدلهم الدراسي؛ فأطفاله يدرسون في أكثر من مدرسة، بعضهم في الفترة الصباحية والبعض الآخر في الفترة المسائية؛ حيث عجزت وزارة التربية والتعليم في السنوات الأخيرة عن بناء مدارس تستوعب أعداد الطلبة في الولايات، سواء في العاصمة بأنوارها وصخبها أو المناطق بهدوئها وسكونها!

وفي أحيانٍ يتجه زيد صوب الأودية والسهول يقتطع من النباتات البرية ثم يتجه إلى محلات السكراب يبحث عن خردة حديد حسب متطلبات المشاريع، فيرجع في آخر الليل وقد أعياه التعب ليجد زوجته عاكفة على مساعدة أطفالها في حل الواجبات وإعداد المشاريع المدرسية.. أيام صعبة يمر بها أولياء الأمور في الفترة الأخيرة بسبب- كما يبدو- اعتماد وزارة التربية والتعليم في تعليم أبناء الوطن على الأسرة أكثر من المدرسة! وكالعادة يمر زيد في آخر العام ليجد صناديق القمامة ممتلئة بتلك المشاريع التي قضى هو وقته يشتريها من المكتبات ويبحث عنها في كل مكان؛ لتُرمى لاحقًا في مكب النفايات!

تعب عام كامل يدفع فيه رب وربة الأسرة وأبناؤهم ثمناً أيامهم التي خلقها الله لهم ليعيشوا فيها حياة كريمة، ولا يوجد مبرر إلى الآن لهذا التغيير المفاجئ في المنهج الدراسي، رغم أن موازنة الدولة خصصت لوزارتي التربية والتعليم والصحة نصيب الأسد من الموازنة السنوية.

الحال أيضًا لا يفرق كثيرًا في وزارة الصحة التي باتت مراكزها الصحية في الفترة الأخيرة مُغلقة في الولايات، الأمر الذي دفعنا للبحث الدقيق عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الحال، ففي الوقت الذي أتابع فيه أخبار موازنات بعض الدول الأخرى تفاجأت بأن قطاعي التعليم والصحة لدينا في السلطنة وُضعت لهما موازنات كبيرة تفوق ما وضعته بعض دول المنطقة سواء الخليجية منها أو العربية، ورغم ذلك فإنَّ التعليم لدى تلك الدول يعتمد على المدرسة وما تقوم به من أدوار بنسبة تصل إلى 100%، وفوق هذا تكون المخرجات لديهم ذات كفاءة عالية، فيما تكون مخرجاتنا ضعيفة لا تواكب متطلبات السوق اليوم.

لا نجد سوى منهج دراسي محشو بمعلومات هائلة وكتب دراسية كثيرة، وقد جئت بمقارنة في مقال سابق للمنهج الدراسي لدينا في السلطنة وبعض الدول المتقدمة بعد تواجدي في أحد مستشفيات العظام بالهند، حين استوقفتني الأعداد الكبيرة من العُمانيين المصطحبين أطفالهم لعلاجهم من الانحناءات في الظهر وآلام العمود الفقري، سألت أحد الأطباء الماهرين في المستشفى عن الأسباب التي جعلت أولئك الأطفال يعانون من آلام الظهر وهم في أعمار يافعه، فأجاب أن السبب هو الحقيبة المدرسية ثقيلة الوزن، رجعت لأرى الكتب الدراسية التي تحتويها الحقيبة المدرسية وحجمها فوجدت ثقلها وحجمها أشبه ما تكون كمن صممت لحمل الأثقال!

فبقدر ما تئن أضلاع الأطفال الحاملين لها بقدر ما تحمل الحقيبة في بطنها الحشو الذي يثقل الحقيبة وزنًا ويعصف بالطلبة ذهنًا، وفوق هذا وذاك فإنَّ الطلبة مجبرون على حملها صباح مساء، وهُم بين أمرين: التحديات البدنية والتحديات الذهنية. هذا الوضع ساقني لأطلع على المناهج الدراسية للدول المتقدمة، وقد ذكرت بعضًا مما أطرحه هنا في مقالات سابقة، وتبين لي أن كتاب الرياضيات في الدول الأوربية مثلاً يساوي ربع كتاب الرياضيات لدينا في عُمان!! فيما يساوي كتاب الرياضيات في اليابان ربع النصف من كتاب الرياضيات في الدول الأوربية؛ أي بمعنى أن الكتاب لدينا أكبر بأكثر بثلاثة أضعاف الكتاب الياباني، وفوق هذا فإن تلك الكتب- الأوربية واليابانية- تخلو من الحشو الزائد الذي يدرسه أبناؤنا اليوم في عُمان، كما إنها لا تتضمن المسائل الصعبة التي تتضمنها كتب الرياضيات لدينا؛ فالمسائل الصعبة توضع للبحوث والمراحل المتقدمة لما بعد التعليم الجامعي وليس للأطفال الطلبة، فعندما يخرج الطالب بفهم ومعرفة خمس مسائل رياضية في العام الكامل أفضل بكثير من عشرات المسائل لكن دون فهم أو إدراك لمسألة واحدة!

تلك الدول هدفت إلى المواءمة بين أحجام الاستيعاب لدى الأطفال وفق أعمارهم المختلفة؛ حيث إن عقل الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات مثلًا في اليابان أو الدول المتقدمة، يدرس المنهج الخفيف الذي يتلاءم مع حجم استيعابه مع التطبيق على الأرض، فيكون الكتاب خفيفًا ظريفًا يجمع بين سهولة الاستيعاب والاستفادة من المعلومات، وبين الاكتشاف التطبيقي والتشويق. أما الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات لدينا في السلطنة، فيدرس كتابًا ذا وزن لا يقل عن 2 كيلوجرام محشو بشتى أنواع المسائل النظرية الصعبة دون تطبيق على الأرض، وفوق هذا تنفرد وزارة التربية بوضع الاختبارات لنهاية العام، دون إعطاء المعلمين أي إمكانية للتدخل في صياغة هذه الأسئلة، وكأن الوزارة علّامة بالغيوب لما يتطلبه أكثر من نصف مليون طالب وطالبة في مختلف المدارس بالمحافظات. ويقال فيما بعد إن نسبة تفوق 90% من الطلبة والطالبات ضعفاء في الرياضيات!!

لا أعني هنا كتاب الرياضيات وحده فحسب، وإنما سقته كمثال كونه من أهم العلوم الذي تصعد من خلاله الأمم اليوم.

ثمّة أمر آخر وهو أن الكثير من الدول أصبح لديها حمل الطلبة للحقائب المدرسية من التقاليد القديمة، فقد خصصت رفوفًا خاصة للحقائب المدرسية في المدرسة نفسها، ولكل طالب رف خاص، فرفقًا بأجيال الوطن يا وزارة التربية والتعليم، وندعو أن تُعالج مشاكل المنهج الدراسي الذي يعول عليه الوطن في تأسيس أبنائه وترسيخ العلوم في أذهانهم، وأن ترقى بتطوير الحقيبة المدرسية فتخفف وزنها من الحشو الزائد، من خلال تطوير المنهج الدراسي، وأن تُكلَّف كل مدرسة بإيجاد رفوف أو صناديق خاصة في المدرسة بطريقة حضارية متطورة وراقية، وعليها أن تُشرك المجتمع في صياغة مناهج دراسية جديدة تتواءم وتتوافق مع حجم عقول الطلبة من حيث الأعمار، كما إن الطلبة- الأطفال واليافعين- لديهم الحق في أن يعيشوا أيامهم وهم يحلقون مع لذة الحياة، لا أن نجبرهم أن يعيشوا حربًا شعواء مع منهج مُتخم غير مدروس يحرمهم من اللعب واستنشاق عبير الحياة، فيكونون ضحايا لمنهج دراسي يقوم على وضعهم بين جدران المدرسة صباحًا وحوائط غرف البيت مساءً.. إننا ندعو لتغليب مصلحة الأجيال المستقبلية على آراء ووجهات نظر القيادات بوزارة التربية والتعليم، فركبُ الحضارة لن ينتظر المتخلفين عنه.