تدوير خبرات الرقابة الشرعية في المصارف

 

عيسى بن سالم الريامي **

ما قدمه العلماء الأجلاء أعضاء لجان الرقابة الشرعية من جهد واسع في البنوك الإسلامية العاملة بالسلطنة منذ انطلاقها الأول في عام 2013، جدير بالتقدير والإشادة، واليوم بعد 9 سنوات نقف أمام قطاع تمويل راسخ يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

وقد استطاع هذا القطاع تقديم أعمال المصرفية الإسلامية لكل المتعاملين أفرادًا وشركات، وهذا بعد فضل الله يعود للعلماء الموسوعيين أعضاء لجان الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية العاملة في سلطنتنا الحبيبة؛ حيث كان لعامل الخبرة والتمرس في التمويل الإسلامي دور بارز في ابتكار الحلول التمويلية للقطاعات  المختلفة ولأجل ذلك ومع حداثة المصارف الإسلامية في السلطنة، إلا أنها نافست في مؤشر الاستحواذ على حصة من سوق التمويل المصرفي لتحقق حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام نسبة 15%. وبعد الأعوام المباركة الماضية لعطاءات أعضاء لجان الرقابة الشرعية ضُرب مطلع العام المقبل 2022 موعدًا لنشهد تدوير خبرات أعضاء لجان الرقابة الشرعية بين البنوك الإسلامية العاملة في السلطنة.

وفيما يلي سأجتهدُ في رسم خط تاريخي للوصول للنتيجة التي سنشهدها بعد أسابيع من الآن بعون الله، ومن المناسب أن نقف على تعريف الأعمال المصرفية الإسلامية كمدخل؛ حيث عرّفتها لائحة الأعمال المصرفية الإسلامية رقم: ب م/ 56/ 4/ 2019 على أنها: "جميع المُعاملات والخدمات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وتتم وفق الصيغ الشرعية وتشمل قبول الودائع وفتح وإدارة حسابات الاستثمار المقيدة وغير المقيدة وتقديم منتجات التمويل الإسلامي وأي أعمال أو خدمات مصرفية أخرى يحددها مجلس المحافظين".

ويؤكد التعريف أعلاه ضرورة توافق الأعمال المصرفية التي تقدمها البنوك الإسلامية العاملة في السلطنة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، بحيث يكون لها مرجعيات وصيغ شرعية معتبرة. ولضمان التطبيق السليم أوجب المنظم على المؤسسة المصرفية المرخصة لتقديم الأعمال المصرفية الإسلامية إنشاء إطار للحوكمة الشرعية، على أن يشتمل على وجه الخصوص إنشاء لجنة للرقابة الشرعية تشكل بقرار من الجمعية العامة للمؤسسة المصرفية المرخصة؛ لتقديم الأعمال المصرفية الإسلامية، ويكون عدد العلماء الأعضاء فرديا يتمتعون بحق التصويت، وفي أول اجتماع لهم يتفقون بينهم على الرئيس ونائبه.

ثم عناية علمية رفيعة بأعضاء لجان الرقابة الشرعية؛ حيث اشترط الإطار التنظيمي والرقابي للأعمال المصرفية الإسلامية الصادر عن البنك المركزي العماني في 18 ديسمبر 2012، أن لا تقل خبرة العضو في مجال الشريعة الإسلامية عن 10 أعوام وأن يكون متخصصًا في فقه المُعاملات بدرجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية على الأقل، فضلًا عن الشروط العامة المتعلقة بحسن السيرة والسمعة  والاستقلال. وأجازت الأنظمة ضم أعضاء آخرين للجنة الرقابة الشرعية غير مصوِّتين من أصحاب الخبرات والكفاءات الاقتصادية والمحاسبية والقانونية وإدارة الأعمال، واشترطت أن يكونوا من حملة الماجستير فأعلى، وأن لا تقل خبرتهم عن 15 عامًا حتى يمدون أعضاء لجان الرقابة الشرعية بالدراية اللازمة في مجالاتهم فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

وتستمر عضوية لجان الرقابة الشرعية 3 سنوات قابلة للتجديد في حالات الضرورة لمدة مُماثلة لمرة واحدة بشرط صدور قرار من الجمعية العمومية للمؤسسة المصرفية المرخصة لتقديم الأعمال المصرفية  الإسلامية بذلك وموافقة البنك المركزي العماني، وهذا ما نصت عليه المادة 25 من لائحة الأعمال المصرفية الإسلامية رقم: ب م/ 56/4 / 2019.

والتجربة العمانية في تقديم الأعمال المصرفية الإسلامية حديثة العهد؛ حيث تعود  الانطلاقة لعام 2013، وقد سبقها البناء التشريعي والقانوني على  إثر المرسوم السلطاني رقم 69 لعام 2012 بإصدار تعديلات على بعض أحكام القانون المصرفي الصادر في 6 ديسمبر 2012، والذي قضى بإضافة باب جديد في القانون المصرفي بعنوان "الأعمال المصرفية الإسلامية"، وتبع ذلك صدور الإطار التنظيمي للمصارف الإسلامية عن البنك المركزي العماني في الموافق 18 ديسمبر 2012. وفي شهر ديسمبر 2013، أصدر البنك المركزي العماني اللائحة الخاصة بإنشاء وتنظيم الهيئة العليا للرقابة الشرعية، واستكمالًا للبنية التشريعية لأعمال المصرفية الإسلامية صدر عن مجلس محافظي البنك المركزي العماني لائحة الأعمال المصرفية الإسلامية بتاريخ 11 ديسمبر 2019.

وتأسيسًا على الانطلاقة المباركة لأعمال وخدمات المصرفية الإسلامية في عام 2013، شرعت لجان الرقابة الشرعية في البنوك والنوافذ الإسلامية في الاضطلاع بمسؤولياتها وإعانة المصارف بخبراتها، واستمر عملها 3 سنوات حتى 2015؛ حيث سادت رغبات المصارف الإسلامية بتجديد عضوية لجانها الشرعية لمدة ثانية فكان ذلك عملًا بالمادة رقم (1.4.2.2) من الإطار التنظيمي والرقابة للأعمال المصرفية الإسلامية. وبنهاية عام 2018، ومع مطالبات المصارف الإسلامية بضرورة تجديد عضوية لجان الرقابة الشرعية ليُعين ذلك المصارف الإسلامية على استكمال بناء المنتجات والسياسات والنظم، فسوق الصيرفة الإسلامية- آنذاك- ما زال حديثًا والخبرات المحلية ما زالت محدودة، وعليه فقد منح البنك المركزي العماني استثناء موافقته على تجديد مدة أخرى للجان الرقابة الشرعية حتى تواصل أعمالها الاستشارية مع ذات المصرف وتنتهي هذه الفترة في نهاية عام 2021، على أن تقوم المؤسسات المرخصة بممارسة أعمال المصرفية الإسلامية بوضع خطة إحلال لأعضاء لجانها والتدرج في تعيين  أعضاء جدد لضمان استمرار العمل ونقل الخبرات لهم من العلماء المضطلعين أعضاء اللجان.

وفي مايو من العام 2021، أصدر البنك المركزي العماني تعميمًا للمؤسسات المصرفية المرخصة كافة بضرورة التقيد بالمدد القانونية لعضوية لجان الرقابة الشرعية بسياسة تدوير خبرات أعضاء لجان الرقابة الشرعية الذين أكملوا 9 سنوات في ذات اللجان واستكملوا 3 دورات وفق الفترة القانونية المحددة بثلاث سنوات لكل دورة.

وعليه، فسنشهد مطلع العام 2022 تغيُّرًا في أعضاء لجان الرقابة الشرعية في كافة المؤسسات المصرفية المرخصة بتقديم الأعمال المصرفية الإسلامية ممن استكملوا الدورات الثلاث وأشار التعميم أعلاه إلى المنافع المرجوة من تدوير الخبرات؛ حيث سيكون للكفاءات الجديدة جهد طيب في تعزيز عمل المصارف الإسلامية، هذا من جانب، ومن جانب آخر سيعمل الإحلال على تجويد التجربة وتكوين الخبرات اللازمة من حيث الاطلاع على تجارب مختلفة ومنتجات جديدة؛ الأمر الذي سيساهم في تطوير كفاءة الخبرات المحلية، ومن جانب مبدأ الاستقلالية والموضوعية فقد تتأثر بفترات العضوية الطويلة مع ذات المصرف وهذا مقرر وفق المعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية "الأيوفي".

وشخصيًا متفائل جدًا باستمرار العطاء المبارك للعلماء أعضاء اللجان الشرعية للبنوك الإسلامية العاملة في السلطنة وتقديم حلول مبتكرة فيما يتعلق بالتقنية المالية "الفنتك" وقيادة قطاع المصارف الإسلامية نحو المجتمع الرقمي المنشود وفق رؤية "عُمان 2040".

** رئيس إدارة الالتزام والتدقيق الشرعي- بنك العز الإسلامي

تعليق عبر الفيس بوك