ميزانية التحفيز والتعافي

حاتم الطائي

◄ الحكومة حريصة على تحقيق التحفيز الاقتصادي وبدء مسار التعافي الشامل

◄ زيادة الإنفاق الاستثماري تسهم في تعزيز الأنشطة الاقتصادية والتجارية

◄ تيسير الإجراءات سيظل مطلبًا ملحًا للوصول إلى الأداء الحكومي المتميز

التقديرات المُعلنة للميزانية العامة للدولة للعام 2022 كشفت عن أرقام مُبشّرة وباعثة على التفاؤل؛ حيث يظهر فيها جليًا الحرص الحكومي على تحقيق التحفيز الاقتصادي والبدء في مسار التعافي الشامل، بعد عامين من التحديات الاقتصادية التي فرضها علينا- وعلى جميع دول العالم- تراجع أسعار النفط وتداعيات تفشي جائحة كورونا.

فقد عكست الميزانية رغبة الحكومة في مُواصلة السير نحو أهداف الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، لا سيما فيما يتعلق بمشاريع خطة التنمية الخمسية العاشرة، والتي تمثل أولى الخطط متوسطة الأجل لبلوغ أهداف الرؤية. ويبدو واضحًا أنَّ الحكومة قد بنت رؤيتها لهذه الميزانية من منظور اقتصادي متزن ويتماشى مع توقعات الاقتصاد عالميًا وإقليميًا، دون مبالغة أو تقليل في التقديرات، ولا أدل على ذلك من وضع 50 دولارًا سعرًا تقديريًا للميزانية، وعلى أساسه نرى أن الإيرادات المتوقعة تصل إلى 10.94 مليار ريال، فيما يبلغ حجم الإنفاق المتوقع 12.167 مليار ريال، لتسجل الميزانية عجزًا يُقدّر بنحو 1.223 مليار ريال، وهي أرقام تتماشى مع التقديرات المُتحفِّظة، لضمان عدم تسجيل أي زيادة غير متوقعة في العجز المالي، وهذا يُحسب للقائمين على إعداد الميزانية؛ إذ في المُقابل أي زيادة في سعر برميل النفط، ستعود بالنفع على العجز، من حيث تقليل مستوياته، وهنا نُذكّر بأنَّ التوقعات الصادرة عن المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث تشير إلى وصول سعر البرميل إلى مستوى 100 دولار خلال عام 2022، وهنا سيكون الأمر مختلفاً تمامًا معنا، فلربما نشهد فائضًا في العجز المالي؛ بعبارة أخرى، قد يتحول عجز الميزانية إلى فائض مالي لأوَّل مرة منذ 7 سنوات على أقل تقدير.

ونتيجة لهذا السعر التقديري لبرميل النفط عند 50 دولارًا للبرميل وأنه جاء متحوطًا للغاية، فقد قدرت الميزانية حجم الإنفاق بـ12.167 مليار ريال، وكنَّا نتوقع أن يزيد الإنفاق عن هذا الحد، كأن نصل إلى 13 مليارًا، وهو رقم وصلنا إليه سابقًا قبل أزمة 2014، عندما هوت أسعار الخام لمستويات منخفضة. وكعادة الميزانية نجد أن المصروفات الجارية- 74% منها تذهب لدفع رواتب موظفي الجهاز الإداري للدولة- تستحوذ على قدر كبير من الإنفاق يصل إلى 4.3 مليار ريال. لكن في المُقابل نجد أن الإنفاق الاستثماري وصل إلى 5 مليارات ريال، منها 900 مليون للوزارات المدنية، وهذا يعني أننا سنرى مشروعات استثمارية في قطاعات واعدة معظمها سيكون خدميًا بدرجة كبيرة، لكنها تدر عوائد استثمارية. لكن الرقم الأبرز والأهم في الإنفاق الاستثماري هو تخصيص مبلغ 2.9 مليار ريال لجهاز الاستثمار العماني؛ حيث سيضخ الجهاز هذه الأموال في 110 مشاريع محلية، وهذه بشارة طيبة تؤكد أننا مقبلون على انتعاشة جيدة في وتيرة تنفيذ المشاريع، والتي بدورها ستخلق فرصًا وظيفية أكبر للشباب الباحثين عن عمل، وستُساهم في تعزيز الأنشطة الاقتصادية والتجارية، لا سيما في المحافظات خارج العاصمة؛ حيث ما زالت المشروعات قليلة، مقارنة مع العاصمة والمدن الرئيسية. لكن في المُقابل، هل هذا المبلغ هو إجمالي المحفظة الاستثمارية للجهاز في 2022؟ لا أظن ذلك، فالجهاز يضخ استثمارات في 36 دولة حول العالم، وقد كشف خلال الأيام الماضية عن 20 استثمارًا دوليًا جديدًا لتعزيز العوائد، وهنا نعود ونُؤكد ما ذكرناه مرارًا، أنه يتعين على الجهاز استثمار 70- 80% من محفظته الاستثمارية داخل الدولة، والباقي في الخارج، خاصة في ظل الظروف الحالية، وفي ظل الأوضاع التي يمر بها الاقتصاد العالمي.

وفي ظل هذه الأرقام الخاصة بالإيرادات والإنفاق، فإنَّ عام 2022 سيشهد استمرار الاقتراض من الأسواق الدولية، وهو أمر نأمل التقيُّد فيه قليلًا في ظل اعتزام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة بنحو 1.5% تقريبًا على مدار العام المُقبل، وهو ما سيؤثر على تكلفة الافتراض الخارجي.

أما فيما يتعلق بالإجراءات والسياسات المالية الهادفة إلى ضبط الأوضاع المالية العامة للدولة وتحقيق الاستدامة المالية، فقد كنَّا نأمل أن يوضح مشروع الميزانية بالأرقام مدى تأثر المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط بمثل هذه الإجراءات، وقد تابعنا جميعًا تبعات رفع الدعم تدريجيًا عن خدمات المياه والكهرباء والوقود، وأنها أثّرت على فئات مُختلفة؛ الأمر الذي يستلزم تعزيز برامج الضمان الاجتماعي وإعادة تعريف "الفئات المستحقة"، بما يسمح بإضافة فئات جديدة كُنَّا نعتقد أنها بعيدة عن التأثر بهذه الإجراءات، لا سيما المتقاعدين.

ونقترح كذلك وضع مزيد من الضوابط عند طرح مناقصات المشاريع، والسعي مع الشركات المنفذة للمشاريع الإنمائية- وخاصة الطرق والمدارس والمستشفيات- إلى تقليل الكُلف التشغيلية ونسب الأرباح، دون إخلال بالمواصفات أو الجودة، لضمان الاستفادة بمصاريف الإنفاق في أكثر من مشروع داخل القطاع الواحد. وهنا نناشد الحكومة زيادة النسبة المخصصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المناقصات الحكومية، لتصل إلى 20% مُقارنة مع 10% المتبعة حاليًا، على أن تزيد النسبة تدريجيًا كل عام، لنصل إلى معدل 50- 50%، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أمس الحاجة لاستعادة النمو وتحقيق التعافي؛ حيث تجرعت مُعاناة شديدة خلال فترة الإغلاقات والركود الاقتصادي.

أيضًا، يحدونا الأمل أن يواكب هذه المتغيرات والسعي الحكومي الجاد نحو التعافي الاقتصادي، المزيد من التيسير في الإجراءات الحكومية، والقضاء على البيروقراطية قدر الإمكان، وبداية ذلك تغيير ثقافة الموظف الحكومي، ليكون ممثل خدمة العملاء، فيعمل على تسهيل الإجراءات بدلًا عن تعقيدها.

وختامًا.. نستقبل العام الجديد بكل تفاؤل بتحقيق التعافي الاقتصادي وعبور منطقة المخاطر التي فرضتها الجائحة والركود العالمي وتراجع أسعار النفط، لكننا مطالبون- كل في موقعه- بأن يبذل قصارى جهده من أجل زيادة الإنتاجية والتوسع في المشاريع، وتحقيق التنويع الاقتصادي المنشود، حتى يعم الرخاء والنماء ربوع وطننا الحبيب.