حتى لا ننسى جيل الرائدات (8)

جذور التاريخ السياسي للمرأة العُمانية

د. مجدي العفيفي

(1)

إذا كانت المرأة العُمانية تعد (الأولى) في منطقة الخليج، التي نالت المكانة السياسية التي تتمتع بها تصويتا وترشيحا وتمثيلا، منذ عام 4991 فإن السؤال المطروح: إلى حد أثبت وجودها برلمانيا؟ ليتبقى السؤال: كيف تقبلها المجتمع وعزز من صعودها درجات السلم الاجتماعي؟

وهل هذا التحول في مسيرة المرأة العُمانية جاء كسنة من سنن الحياة، وكحق من حقوقها المشروعة انسجامًا مع بث الوعي الدائم في عقل المجتمع ووجدانه بأهمية دور المرأة؟

وكيف أصبحت في غضون سنوات معدودات قادرة على استعداد لقبول المسؤوليات الدقيقة للتعبير عن الرأي السياسي، والإسهام بالرأي من خلال مجلسي الشورى والدولة، إضافة إلى مهمتها الكبرى في بناء الأسرة، وغرس الانتماء والولاء في نفوس الأجيال الصاعدة؟

وإذا كانت قد نجحت في ممارسة الحياة البرلمانية وتوليها أعلى المناصب.. فما هي طبيعة الجذور الممدودة في الخطاب العماني العام، الذي ينظر إلى دور المرأة على أنه دور أساسي وتأسيسي وليس فقط جماليا ولا تجميليا؟ ولماذا ينطلق أي حديث برلماني أو تحليل سياسي أو رؤية نيابية، إزاء المرأة العمانية، من الومضات التي تشعلها  مفردات هذا الخطاب؟

(1)

أصبحت مسألة انخراط المرأة في العمل السياسي دعامة أساسية ولبنة تأسيسة في بناء الدولة الحديثة، بل لم تعد قضية اشتغال المرأة بالسياسة مطروحة على بساط البحث، وبات الحديث عنها ضرباً من الجدل السلبي، بعد أن اعترف المجتمع المعاصر بشرعية التمثيل السياسي النسائي بشكل عام، واستوعب مشروعية المشاركة البرلمانية على وجه الخصوص.

وأصبح من الثابت أن عصرنا لم يعد يقبل أن ترتدي فيه السياسة ثوبا فئويا أو طبقيا أو جنسيا، يقوم على التمييز بين الناس، فالديمقراطية إنما هي تحرر المواطن، رجلا كان أم امراة، وهو ما يجعل مشاركة المرأة في الحياة السياسية قضية تندرج في صميم عملية التقدم والديمقراطية التي تصبو المجتمعات إلى كسبها.

 لا يمكن اعتبار قضية المرأة ودفعها إلى موقع صناعة القرار التشريعي والتنفيذي قضية خاصة؛ بل هي قضية عامة تمس المجتمع كله، وتتصل بمستوى التقدم الاجتماعي والاقتصادي، تتأثر به وتؤثر فيه في علاقة جدلية مميزة.

كما أن قضية المرأة ليست قضية مساواة قانونية فقط، لأن البرلمان لا يشرع فقط للرجال، وهناك الكثير من القضايا في الحياة المعاصرة كحقوق العاملات وقضايا الأحوال الشخصية وغيرها وجميع القضايا والقوانين ذات الصلة بوضع المرأة يحتاج فيها المجتمع والنظام السياسي أن يسأل النساء ويأخذ رأيهن بعين الاعتبار، ثم إن لمشاركة المرأة في هذه العملية ونتائجها قيمة معنوية كبيرة وآثارا على وعي النساء وشعورهن بالمسؤولية والمساواة لا ينبغي أن نغفل عنها، فمشاركتها رمز الاعتراف بأهليتها ومساواتها ومجاهداتها في سبيل المجتمع.

(3)

كما لا يمكن فهم التحولات الكبرى التي حققتها المرأة العمانية الحديثة بعيدا عن جذورها الضاربة في عمق التاريخ آلاف السنين، إذ يحتفظ التاريخ القديم والحديث برموز وأسماء نسائية لا تزال تخترق الأزمنة والأمكنة، فما استدعاؤها من الذاكرة إلا التذكير بمجاهدات المرأة في العالم للوصول إلى المكانة التي تتبوأها اليوم على كافة المسارات، حتى أوسعت- لدى المحللين المعاصرين - معنى السياسة وممارسة العمل السياسي بالمفهوم العام والإنساني، إلى الحد الذي جعل موضوع المرأة والسياسة يطرح مباحث معرفية متعددة.

وصار مجال دراسات المرأة يعد واحدا من المجالات الحديثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، إذ أدى الاهتمام المتزايد بدراسة قضايا المرأة إلى تراكم الدراسات المختلفة، ثم انفصالها عن العلوم الأم، وتأسيس هذا المجال البحثي المستقل الذي أصبحت له اقتراباته ومفاهيمه المتميزة، وقد أدى تداخل العلوم في الدراسات الاجتماعية إلى أن أصبح موضوع المرأة والسياسة موضوعا مشتركا بين العلوم السياسية ودراسات المرأة.

(4)

 تشير الأدبيات السياسية المعاصرة والشواهد التاريخية القديمة، إلى أن المرأة العمانية لها تواجدها، ضمن المنظومة النسائية، سواء أكان محليا أم إقليميا أم دوليا، وأنها لم تعش قط معزولة عن مثيلاتها، الأمر الذي سجل رصيدا كبيرا لحركة المرأة، تشكل منذ انطلاقتها في عصر النهضة العمانية الحديثة، بل كان ولا يزال مصدر اعتزاز لها، في خوضها لمسارات التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

(5)

نعم لا نمو بدون جذور... ها هو التاريخ العماني يحتفظ بأدوار كبيرة لعبتها المرأة العمانية، ومواقف مؤثرة اتخذتها في مواجهة الأحداث، في السياسة والحكم والفقه والدولة والمجتمع.