القمة الخليجية.. آمال وقرارات

حمد الناصري

اسْتضافت العاصمة السعودية الرياض في 14 ديسمبر 2021 قِمّة مجلس التعاون الخليجي الثانية والأربعين، بمشاركة قادة مِن اربع دول خليجية، ومُمَثّلين عَن دوليتين أُخْرَيين بمستوى عالي.

وفي افتتاح القِمّة ، ألْقَى الأمير محمد بن سَلمان وليّ عهد المملكة العربية السعودية كلمة قال فيها "إننا نتطلع اليوم إلى استكمال بناء تكتل اقتصادي مزدهر وهذا يتطلب إيجاد بيئة جاذبة ومحفزة تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وإطلاق إمكانات قطاعاتنا الاقتصادية ومواكبة التطورات التقنية في جميع المجالات، وإيجاد التوازن لتحقيق أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، والتعامل مع ظاهرة التغير المناخي، من خلال تزويد العالم بالطاقة النظيفة ودعم الابتكار والتطوير". وأضاف الأمَير محمد بن سَلمان " أن المملكة أطلقت مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، كما أعلنت عن استهدافها الوصول إلى الحياد الصفري في عام 2060م من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون". 
وكتبت صُحف خليجية مانشيتات وعَناوين تُعَبّر عَن رُؤى مُتعددة وتوقّعات مُختلفة لمخرجات تلك القِمّة؛ إذ ركّزت أغْلَب تلكَ الصُحف على أنّ الآمال مَعقودة على هذه القِمّة لِتَعزيز التعاون الخليجي ، واعتبارها كـ "علامة فارقة" في العلاقات بين دول الخليج."  وأشارَ بَعض كُتاب أعْمِدَة تلك الصُحف الخليجية ، إلى أنّ هُناك العديد مِن التحديّات التي تُواجِه قادة دول الخليج خصوصاً فيما يتعلّق بالعلاقات الخليجية الخليجيّة ومَلف إيران النووي وغيرها مِن الملفات الإقليمية. فكتَبت صَحيفة "الشرق" القطرية تقول، إنّ القِمّة الخليجية  "تهدف إلى تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون من أجل تحقيق تكامل شامل". وفي افْتتاحية الصَحيفة ترَى أنّ هُناك آمالاً كبيرة مُعَلّقة على الدورة الثانية والأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، " لِتكون فُرصة مَفْصَليّة فيما يَخص مَسِيرة العمل الخليجي المشترك، وأنْ تكون انطلاقة مُهِمّة لِتَوثِيق الأواصِر القوية بين الدُول الأعضاء في مجلس التعاون على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي". ويقول الكاتب الصَحفي علي بن سالم الكعبي مِن جريدة  "الاتحاد" الإماراتية " إن آمال شعوب الخليج العربي معلقة على هذه القمة.". واضاف أنّ " الطموح كبير ان المرحلة المقبلة ستشهد تطورا ملحوظا في تطوير علاقات مجلس التعاون الخليجي مع العديد من الدول والتكتلات العالمية بما في ذلك استئناف مفاوضات التجارة الحرة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي. الدول الصديقة ".ويرى ـ الكاتب ـ أنه "من غير المقبول أن تظل التجارة البينية الخليجية عند  نسبة 11٪ فقط ، بينما تطلعات شعوب الخليج ترتكز على أكثر من ذلك بكثير". .
وتحدّث يعرب سلطان العنقري مِن صَحيفة "المدينة" السعودية عَن أمَلِه في تشكيل كتلة اقتصادية خليجية.

وعَودة إلى الجَوْلات التي قامَ بها سُمو وليّ العَهد السعودي والتي سَبقت القِمّة،فقد مَهّدَت الطريق لاتخاذ قرارات بَنّاءَة وهَيّئَت الأجْواء لِقِمّة ناجِحَة ومُثمرة تَختلف عَن سَابقتها الواحد والأربعين.

وفي صَحيفة "الأهرام" المصرية ، تحدّث علي بن أحمد العيسائي عَن ظهور نَهْجَين لِلعَمل داخِل مَجلس التعاون الخليجي نَتِيجة العوامل الداخلية والإقليمية والدولية المُحِيطة بمنطقة الخليج. فالنهج الأول هو "التمسك بالأسس التي قام عليها المجلس والمتمثلة في التنسيق والتكامل والاعتماد المتبادل حسب ما تسمح به ظروف كل دولة ، والتزمت الكويت وسَلطنة عُمان بهذا النهج". أما النهج الآخر أو المُقاربة الثانية ، فهيَ "إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية للدولة حتى لو تعارضت مع مصالح بعض الدول الأخرى، وتبنتها دول أخرى هي السعودية وقطر والإمارات ، كل منها على طريقته الخاصة".

وخلَصَ في ختام مَقاله إلى أنّ تَحقيق التوازن بينَ النَهْجَين "من أهم عوامل نجاح قمة دول مجلس التعاون" .

وفي 9 ديسمبر 2021 كتبتُ مقالاً عَن" العِلاقة العُمانية السُعودية.. تاريخ وحاضر ومُستقبل مُزدهر" .. وقلتُ يَومها إن الدَولتان الأكْبر في مَنظومة التعاون الخليجي توصّلَتا إلى تَحقيق تفاهُم بَنّاء وايْجابي وصَريح، وتلك هي اللُبْنة الأولى في بِناء أيّة عِلاقة اسْتراتيجية شامِلَة وعَمِيقة تَسْتوعب كافّة النَواحِي التي تُهِم البَلدين والشَعبين مِنها الإقْتصادية والاجْتماعية والسياسية، فنحنُ نَعيش حالياً في عالم التَكتّلات والتَجَمّعات التي تَقودها المصالح والمحاور الإيجابيّة ويَجب أنْ تَتعاون دُولنا لِتَحقيق مَصالحها وضَمان أمْنِها وسَلامة شُعوبها خصوصاً أنّ ما تَجْمَعنا مِن روابِط هيَ أكْبَر وأشْمل مِن مُجرّد مَنفعة اقْتصادية رَغم أنّ الاقْتصاد هو عُنصر أساسي ومُهِم في أيّ تَحالف او تكتّل يَصْبو لِلْبَقاء ولْعَب دَور إيْجابي في عالم الإقْتصادات المُتنامية إقْلِيميا وعالمياً".

وقد اكّد سُمو السيد فهد بن محمود نائب رئيس الوزراء لشؤون الوزراء "إن السلطنة تُؤكد دعمها المُتواصل لمسيرة مجلس التعاون"، مُشيراً إلى أنّ التطورات التي تشهدها المنطقة تتطلّب تنسيق الموقف.
وقد تابعتُ الكلمة التي ألْقاها سُموه خلال القمة، وقد لمستُ فيها دِقّة انْتِقاء الكلمات والاسْترسال غيرَ المُنقطع، بكلمات دبلوماسيّة تُعَبّر عَن دَهاء وعَقليّة رَصِينة، وحديث مُتوازن بجاذبيتهِ المَعهودة .. فسُموه رجُل حَكِيم، رافَق المَسِيرة القابوسيّة مِن بدايتها، والدَور الهام والحيوي الذي يَضطلع به".

ومِن الأمور التي أشرت لها والتي افْتقدناها لِسَنوات في القِمَم الخليجية الأخيرة هو ذلكَ الجو مِن الصّراحة والشَفافية الذي سادَ القِمّة .. إضافة الى بدايات اسْتعادة الثِقَة والوُد بينَ كافّة الأعْضاء وفوق كُلّ هذا وذاك هو إطار عام مِن التَفاؤُل أَطّر المُحادثات والحوارات التي جرَتْ داخِل القِمّة أو على هامِشَها وذلك مِمّا يُدلّل على وجود الرّغبة الصادقة لدى الجميع للمُحافظة على رُوح الانْسِجام والتعاون في المجلس وصُولاً إلى أهْدافه الاستراتيجية وغاياته في تأمِين الرّخاء والسَلام والرفاهيّة لِشُعوب دول الخليج وقد قدّم المَجلس نَفسه كَكُتْلَة سياسيّة واقتصاديّة مُؤثّرة عالمياً وقُوّة مُوحّدة إقْليمياً ولَعِب دَور فعّال في التَوازنات الدوليّة حالهُ كحال آسيان "Asean " و"بريكس BRICS " ونافتا " NAFTA"  وغيرها.

تعليق عبر الفيس بوك