التقليد الأعمى، أن تكون أو لا تكون!

 

سالم البادي

أن تكون، فقد دخلت عالمك وعالم من حولك بذاتك الحقيقية، حيث تحمل أفكارك وتسير باتجاه مرادك وتحمل قشرة خارجية هي لك مبعوثة من أعماقك، وأن تخلو من كل ما تحمله كلمة تزييف بشتى معانيها وأشكالها، أن تتحلل من التبعية الاجتماعية، وأن تزهو كما أنت بكل ظروفك وأحوالك وتفاصيل حياتك، وتسير بخطاك واثقاً من نفسك، فلا يشدك أي عامل أو مؤثر خارجي، فتحافظ على شخصيتك التي صنعتها بذاتك وقدراتك وإمكانياتك، بعيدا عن التصنع والتشبه بغيرك.

أن لا تكون، فأنت تعيش بعالمك وفق عالم غيرك مدفوعا مشدودا مفقود الفكر، متزيناً بقشور خارجية تصنعها لنفسك إرضاءً لغيرك، أن تسير معصوب العينين تبصر بعيون غيرك، وفي حديثك تحاكي قولاً لست مقتنعاً به أو متقبلاً له لتتحدث بلسان غيرك فقط ولتبهر غيرك، أن تتزين بتزييف معالمك الداخلية والخارجية لتفقد نفسك وتسمو بشخصيةٍ غيرك، وتزهو بها.

والعصر الذي نعيشه المكتنز تكنولوجياً يسرد في سطوره قصة سير تقليد أعمى آخذ بالكثير من الأفراد إلى مسح مسميات أنفسهم وخصوصياتهم.

وقد ساهم انتشار وسائل "التواصل الاجتماعي" ضمن هذا العصر "التكنولوجي أو الرقمي" إلى الارتقاء بالسلم إلى درجات عليا في صنع ذلك التقليد الأعمى، بحيث إن الفرد يجول هنا وهناك وتؤثر به فكرة من وهناك وفي كل الاتجاهات، ويأخذ به أسلوب حياة الآخرين إلى منحنى آخر بحيث يفقد كينونته.

إنه تقليد فكري بحيث ينزاح الفرد عن ثبات فكره ومعتقداته ويصبح تابعاً لغيره وغير مدرك فيلوذ به عقله إلى سبات عميق بلا إدراك ولا وعي، فيخوض بعقله أفكار غيره ويسير معها دون أن يشعر بتحلله من أفكاره الحقيقية وإنسيابه نحو أفكار الآخرين فيصبح فاقدا لبصيرة فكره مقلداً أعمى. وهو تقليد سلوكي فوضوي، فيصبح سلوك الفرد مبعثرا منجذبا إلى سلوكيات الآخرين، دون أن يعي إيجابيتها أو سلبياتها أو نتائجها، فيصبح مجرد شخص مقلد منسوخ من سلوك غيره، كما إنه تقليد عقائدي، حيث ينساب الفرد إلى محافل وتوجهات لا تمت لعقيدته بشيء، فقط هو يريد أن يوهم نفسه بأنه يسير بالطريق الصحيح لينال الإعجاب بتقليده العقيم عندما يخطو خطاهم العقائدية وينسى مبادئ عقيدته الصحيحة.

وهناك تقليد مواكبة الموضة، فترى الفرد يغيب وعيه عن ملاءمة ما يرتديه فيذهب إلى كل ما تراه عيناه عبر "السوشيال ميديا" فيأخذ به سواءً كان ملائماً أم لا، لمجرد أنه يطمح للتصفيق والشهرة لمواكبته بيئة غيره دون أن يراعي ما يلائم بيئته الحقيقية، إنه تقليد أعمى بحت.

ولا تكون محاربة التقليد الأعمى إلا بإصرار من ذات الشخص، والرجوع إلى إدراكه ووعيه الشامل بمنح المساعدة لنفسه واعتقاده التام واقتناعه بسلبية التقليد.

والبيئة الداخلية المتمثلة بالأسرة لها تأثير كبير وفعال لمساعدة الفرد على التخلص من عبودية التقليد الأعمى عن طريق تنمية الفكر، وصحوة الإدراك، والحفاظ على المبادئ والقيم والأعراف والأخلاق، وتمكينه كفرد وجزء لا يتجزأ من الأسرة، للحفاظ على خصائص المجتمع الأسري الصغير ومن ثم المجتمع الكبير. أما البيئة الخارجية فتتمثل في العالم الخارجي للفرد من أصدقاء أو زملاء دراسة أو شركاء في العمل عن طريق دعمهم الكامل للفرد بتوعيته لما هو إيجابي أو سلبي وإشعاره بأهميته بالمجتمع وحرصهم عليه، وإظهار كل وسائل الدعم له.

تعليق عبر الفيس بوك