لا تتسرع!

 

 

حمدان بن سعيد العلوي **

 

في علاقاتنا الاجتماعية كثيرًا ما نسيء الظن فيمن حولنا، نتسرع في أحكامنا، نظلم غيرنا بسبب ذلك، تتكرر الأحداث وتتشابه تلك المواقف، فلان مرَّ بجانبي ولم يرد السلام، فلان اتصلت به هاتفياً ولم يجب، أرسلت له رسالة (واتس آب) ولم يرد، نثير عواطفنا بأنفسنا بشكل سلبي، ويبدأ الرد المُعاكس ونقول: إذا وجدته في مكان ما سأغير اتجاهي لكيلا ألقاه والبعض يبحث عن الطرف الآخر ليكيل عليه الاتهامات دون معرفة الأسباب وإذا وجده لن يسأله بعتاب الود إنما سيقوم بإحراجه أمام الجميع.

نعم لم يرد على اتصالك ربما كان مشغولاً جدًا ونسي معاودة الاتصال بك، ربما يمر بظروف صعبة لا تعلمها أو ربما رأى منك هو الآخر موقفاً أغضبه، لا تبحث كثيرا عن الأسباب السلبية بل قدم له الأعذار وأحسن الظن.

قد يكون مريضا أو مشغولا أو هناك أسباب أدت إلى ذلك، ومن أقوال الفلاسفة "لا تتسرع في الحكم على الناس فقد تظلم عزيزا وترفع رخيصا".

ولا تتعب نفسك كثيرا في التفكير مهما كنت صالحاً سيراك الناس حسب مزاجهم، فالعلاقة مع الآخرين كأوراق الشجرة من يبقى يثمر ومن يسقط لن يعود، ولا تجعل هما واحدا يُنسيك آلاف النعم.

ويقال: عش مرتاح البال رافق الجميع ولا تتمسك بأحد، نعم لا تتمسك بأحد صادق الجميع وابتسم، لا تعاتب على كل صغيرة وكبيرة، حاول أن تنسى ولا تنشغل بغيرك.

قد يتغير في يوم ما أعز أصدقائك لا تستغرب ولا تتأثر كثيرا فالحياة ستستمر وستمضي الأيام ويتغير كل شيء فلا يدوم في الدنيا حال، اليوم معك وغدا ضدك، أحياناً ترتبط بعلاقاتك مع أشخاص ذوي مصالح وقتية متى ما انتهت مصلحتهم تركوك، إن ذهبوا لا تبحث عنهم وعن الأسباب لتنعم بحياة هادئة.

ستُلاحظ ذلك بشكل واضح ومتكرر حين تكون مصلحتهم عندك سيتقربون منك وستظن بأنهم أقرب الناس إليك ومتى ما انتهى دورك ستكون في أدراج النسيان وهذه هي طبيعة البشر.

ستُلاحظ حينما تكبر بتناقص الأصدقاء وسيدخلون في حياتك أصدقاء جدد، رحب بالجميع وأحفظ لسانك ولا تفشي أسرارك، تظاهر بالسعادة دائماً لا تنكسر أمام أحد.

لا تبسط يدك ولا تجعلها ممدودة في كل وقت ولا تجعلها مغلولة إلى عنقك، لا تكن صلباً فتكسر ولا ليناً فتعصر، لا تقترب كثيرا ولا تكون بعيدا جدا.

من أجل أن تحافظ على علاقاتك بالناس التزم الصمت كثيرا ولا تتحدث عن كل شيء وفي كل شيء، كن هادئا متزنا، أكثر من الابتسامة وقلل من الضحك وأن لا يكون بصوت مرتفع.

لا تتحدث بصوت عال ليسمعك الجميع واكتفي بصوتك الذي يسمعه من حولك، لا تكن فارغا كالأواني الفارغة قرقعتها مزعجة، كن ممتلئاً بنبرات صوتك الهادئ، لا تقل كل ما يمليه عليك قلبك بل فكر قبل كل كلمة تقولها، لا تقل كل ما تسمع ولا تسمع كل ما يُقال.

عندما تُواجه مشكلة لا تتسرع بتطبيق الحلول بل تريث وانتظر وحكم عقلك فقد ينتج عن الحل مشكلة أكبر.

حينما تناقش لا تصر على رأيك فقد لا يكون صائبا وإن كنت تراه كذلك، لا تنظر من زاوية واحدة بل راقب كل الاتجاهات قد يكون نظرك قاصرا وتحتاج إلى وضوح أكثر.

وكما أسلفت لا تتسرع في الحكم على المواقف التي أمامك مباشرة فقد تكون هناك أسباب مجهولة لا تعلمها ستتضح مع الوقت، لا تركز كثيراً في المشكلة بل فكر في حل المشكلة وما تركز عليه يتسع.

في يوم من الأيام أثرت جدلا بطرح قضية أراها مهمة ويجب على الجهات المعنية التدخل سريعاً، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل الجميع، وبعد أن اتضحت الرؤية تبين لي أنني تسرعت في ذلك وإنني لو انتظرت قليلاً لتغير رأيي في الأمر، ليس عيباً أن نعتذر وقد قدمت اعتذاري، الخطأ هو الإصرار على الخطأ والمكابرة ولتعلم بأن الآراء قد تتغير مع وضوح الرؤية وتغيير المواقف لا يفقد المصداقية عندما ترى الحقيقة كاملة لا نقصان فيها لذلك نقول ونكرر: "لا تتسرع".

** مدرب في الإعلام والعلاقات العامة

تعليق عبر الفيس بوك