لا تستثمروا في المريخ.. خلونا في الأرض!

علي بن سالم كفيتان

ككاتب رأي ألتقي بالكثير من النَّاس إما في الحياة العامة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي ولكن الجميل في الأمر أنهم لا زالوا يثقون بالقلم لحمل همومهم ونقل متاعبهم، ولا أدري من أين تنبع هذه الثقة! هل من استجابة المجتمع والحكومة للكتاب؟ أم هو من باب الصراخ في الوديان؟

بعد كل صرخة تنتظر لتستمع صدى صوتك يتضاءل ويختفي رويدًا رويدًا بين الصخور والأشجار والمفازات البعيدة، ومع ذلك كلما تسلل إلى نفسي الملل من مرافقة القلم تدفعني تلك الوجوه التي أقابلها في السوق وفي المسجد وفي الشارع وعبر البريد الإلكتروني للاستمرار، ومن عادتي الرد على جميع المكالمات التي تصلني حتى غير مخزنة في ذاكرة هاتفي المنهكة من تزاحم الأرقام؛ فبعض تلك الأصوات تأتي من بعيد، ولا تربطني بها الجغرافية المكانية بصلة لكن الوطن الكبير يجمعنا وفي هذا المقال سأحكي لكم بعض تلك الهموم القادمة عبر الأثير.

رنَّ هاتفي ذات مساء وكنت منهمكًا في سقي ورعاية بعض المزروعات في الريف، تلقيتُ صوتا قادما من الشمال عرفت ذلك من اللهجة التي يتميز بها أهلنا هناك، كان رجلاً دمثاً بدأ بتعريفي باسمه وأثنى على ما اكتب ثم توجه إليَّ متسائلاً: "بلغهم لا يستثمروا في المريخ" صدرت مني ضحكة عابرة وقلت له: ومن هم؟ قال: أنت تعرفهم!!! واسترسل قائلاً: "أنا لا أعترف أصلاً أن الناس واصلة القمر، كيف أتقبل أن نستثمر في المريخ ومن وين لهم الفلوس ما دام بيقولوا أن معهم عجز وعليهم ديون"، والحديث لا زال لصاحبنا المتصل حتى قال: "خلهم يستثمرونها في الأرض، على الأقل نشوفها إذا خسرت، ونقتنع أن ما سويناه كان اجتهادا مثل غيره من الاجتهادات الخائبة السابقة"، وأنهى مكالمته بالنصح والدعاء وقال "هذه أمانة توصلها وها هي وصلت".

آخر دق معي موعدًا في مكان عام ولا توجد صلة تجمعنا، وهذه المرة كان الرجل من ظفار، جلسنا إلى قهوة وتشاطرنا أطراف الحديث، وبدأ بالمجاملة ثم دخل في موضوعه متسائلاً عن سبب عدم استجابة شركة الطيران العُماني لمطالب الناس بتحسين خدماتها وخفض قيمة التذاكر، تركته يسترسل ولم أقاطعه، فقال: "رغم كل الصرخات من سكان محافظة ظفار حول غلاء تذاكر الطيران العُماني على الخط الداخلي صلالة- مسقط، فإنَّ الناقل الوطني لا يعير اهتماماً لكل تلك الهموم والتحديات التي فرضتها الشركة على سكان هذه المحافظة، ومن يرغب القدوم إليها فرغم أن الشركة تعطي عروضاً خاصة للرحلات الدولية، بحيث تصبح في بعض الأحيان أرخص من الخط الداخلي، إلا أنها تتصرف بأسلوب لا يليق مع أبناء ظفار، ومن الجدير بالذكر أنَّ الشركة في الموسم السياحي (الخريف) تقوم برفع قيمة التذاكر فهل هذا هو الترويج للسياحة وتطوير الاستثمار في ظفار؟". ثم أردف قائلاً "هذه الشركة تكلف الخزينة العامة ملايين الريالات ولم ترفد الدولة سوى بالخسائر السنوية، فكيف لها أن تستمر وأن تطلب دعما جديدا هذا العام في ظل ظروف التصحيح المالي التي غالبًا ما تأتي على حساب المواطن العادي والحديث لا زال لصاحبنا الذي أنهى حديثه بالقول لماذا لا يتم إلغاء الناقل الوطني واستبداله بخيار أكثر جدوى إذا كانت خطوات الإصلاح المالي جادة في سعيها؟"، وانتهى حديثنا العابر بهذه الكلمات التي تنم عن خيبة أمل في الناقل الوطني "عُمان إير".

وصلتني رسالة بريدية تتحدث عن دور شركة الاتصالات العُمانية "عمانتل" وفيها ما فيها من الشكوى من ضعف الخدمات ورداءة الاتصالات وخاصة الإنترنت، وغلاء الخدمات المُقدمة مقارنة بشركات اتصالات تمثل الواجهة الوطنية في دول أخرى وبعضها دول فقيرة فهل يُعقل أن تكون الاتصالات في دول مثل بنجلاديش ودول أفريقية معوزة أرخص من عُمان؟! ولماذا هذا التنمر من قبل الشركات الوطنية التي تمثل الناقل الوطني "عمان إير" وشركة الاتصالات العُمانية "عمانتل"؟

وفي نهاية تلك الرسالة الطويلة ذكر هذا المستفيد من خدمات الشركتين أنَّه لا يثق بالردود الرسمية المقتضبة التي لا تستند إلى تفاصيل يقبلها العقل حول وضع غلاء الاتصالات وارتفاع تذاكر الناقل الوطني على الخط الداخلي، وتمنى أن تلغى الشركتان وتدمجان في مؤسسة جديدة تضع مصلحة الإنسان في هذا الوطن بعين الاعتبار... اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.

وحفظ الله بلادي..