يوميات مراقب جوي (2)

 

عمرو العولقي

 

توالت النداءات من الطواقم الأرضية وتبدد السكون وتزاحمت الأفكار ما الذي سيحدث خلال دقائق معدودة هل ستحل الكارثة؟

وقف أحمد صامدا يوجه الجميع، تارة يرد على الاتصالات التي تستفسر عن الوضع ومدى خطورته، وتارة يوجه الطائرات المحلقة.

قبيل التحاق أحمد بالعمل خضع لكافة التدريبات اللازمة لمثل هذه المواقف الصعبة وكانت تدريبات مكثفة ودورات خاصة بالمراقبة الجوية سواء عن طريق جهاز المحكاة الموجود بالمطار أو القصص التي حدثت مع مراقبين آخرين.

أخذ ينادي البوينج 777 ويُعطيها إتجاه وقوة الرياح والضغط الجوي وحالة مدرج الهبوط وبأنَّ المطار على أتم الاستعداد لاستقبالها.

يرد عليه طيار البوينج ويطلب منه أن يلغي عملية الهبوط الآن، حيث إنه سيقوم بالتحليق قريباً من مدرج الهبوط وطلب من أحمد أن يراقب عجلة الهبوط أثناء مرور الطائرة بالقرب من البرج وإعلامه بالوضع.

أجابه بالموافقة ومن ثم قام بتوجيه سيارات الإطفاء والإسعاف الموجودة بالقرب من المدرج لأخذ مواقعها استعدادًا لأي طارئ قد يستجد...

عبرت الطائرة فوق مدرج الهبوط وأخذ أحمد يتفحص عجلات الهبوط واستطاع تمييز العجلة الأمامية التي لم تفتح وقام على الفور بإبلاغ الطيار بذلك، فأجابه بأنه سيحاول فتحها يدويًا قبل محاولة الهبوط ثانية.

في تلك الأثناء، وبينما كان أحمد منهمكاً في تطبيق الإجراءات المتبعة في مثل تلك الظروف اتصلت طائرة أخرى وأطلقت نداء استغاثة آخر، إنها طائرة الإيرباص 353 والتي تبعد حوالي 10 كيلومترات من المدرج وطلب الهبوط الفوري؛ وذلك بسبب وجود دخان في مقصورة القيادة.

ازداد الحمل على أحمد فأصبح لديه الآن طائرتان بحالة حرجة وعليه الاختيار، مع من سيتعامل أولاً وعليه اتخاذ القرار في ثوان فلا وقت لدى المراقب الجوي للتفكير مطولاً.

أجاب نداء الاستغاثة الثاني وطلب منه التوجه إلى المدرج فورا والهبوط لأنَّ وضعه أكثر حرجًا من الأخرى وليس لديها وقت للتحليق فترة أطول، بينما البوينج 777 ما تزال قادرة على التحليق لفترة أطول، ثم أخبر كل الوحدات الأرضية بالإيرباص 353، وأنها هي التي ستهبط أولاً وعليهم التعامل معها حسب الإجراءات المتبعة.

تضاعف التوتر في الأجواء وانهالت الاتصالات من كل مكان وبدأت المُخاطبات للمستشفيات والطواقم الطبية للاستعداد لما هو أسوأ.

نظر أحمد بنظرة المراقب الجوي المتمرس إلى الساعة المثبتة على شاشة الرادار أمامه ملتقطا سماعات الرأس وأخذ يطمئن الطيارين بأنَّ الجميع في مواقعهم والأجواء آمنة للهبوط مع تساقط القليل من الرذاذ على أرضية المطار.

اقتربت الإيرباص 353 أولا للهبوط بينما اصطفت خلفها بمسافة آمنة البوينج 777.

أعطى إذن الهبوط وظهرت من بين الغيوم الإيرباص 353 وهبطت بسلام على المدرج 25، وأخلت المدرج إلى منطقة العزل وتمَّ التعامل معها من قبل الطواقم الأرضية.

تنفس أحمد الصعداء ولكن لا وقت للراحة فما تزال طائرة أخرى بحاجة للمساعدة.

أعطاها الإذن للهبوط وزودها بمعلومات عن الطقس والرياح وهنا جاءت المُفاجأة من طيار البوينج 777 بأنهم استطاعوا إنزال عجلة الهبوط يدوياً وهم جاهزون للهبوط بعد ٣ دقائق.

تبسم أحمد وتهللت أساريره وأجابه بنبرة الفرح "مرحباً بك، يسمح لك بالهبوط الآن".

هبطت البوينج 777 وتقدمت إلى موقفها المخصص ولم تحتج لأي مساعدة وشكر قبطانها أحمد لما قدم لهم من مساعدة.

أخيرًا اتكأ أحمد على كرسيه وأحنى رأسه إلى الخلف والابتسامة على شفتيه لقد نجحنا وهبطت الطائرات بسلام وتمت المهمة على أكمل وجه.

لكن ما هي إلا ثوانٍ معدودة لالتقاط الأنفاس فالعمل لم ينتهِ ولا يزال لديه الكثير من العمل وعليه التركيز فهناك العديد من الطائرات في الأجواء وعليه توجيهها جميعاً إلى المطار.

يا له من يوم اجتمعت فيه كل المشاعر من توتر وقلق وانشغال ويأس ولكن النهاية كانت سعيدة ومرضية ولم يحدث ما هو أسوأ، وكل ذلك بفضل الله ثم التدريب المتواصل للمراقب الجوي والطيارين وفق أعلى المعايير الدولية والتي تهدف لصنع الكفاءات القادرة على تجاوز العقبات والحفاظ على أرواح ملايين البشر المسافرين على متن الخطوط الجوية المختلفة.

أحمد ليس إلا فرد في هذه المنظومة ولكنه غير مرئي ويحمل على عاتقه سلامة كل تلك الأرواح، وهو خلف الكواليس، وقد لا يخطر ببالنا أن هناك من يقوم بهذا الجهد ويتخذ القرارات اللازمة لضمان وصولنا إلى وجهاتنا بأمانٍ تامٍ.

تعليق عبر الفيس بوك