سياسة الحياد الإيجابي تقود العلاقات العُمانية السعودية

 

علي بن سالم كفيتان

شكلت سياسة الحياد الإيجابي التي انتهجتها سلطنة عُمان في عهد السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حجر الزاوية للعلاقات مع جميع الشركاء حول العالم، وخاصةً دول الإطار الإقليمي المُمثلة في دول الخليج العربي والعراق وإيران واليمن، واستطاعت تلك السياسة المعتدلة أن تبني صورة ناصعة ونزيهة لمواقف السلطنة تجاه جميع القضايا الإقليمية والدولية.

وتظل المملكة العربية السعودية بثقلها الاقتصادي والسكاني وموقعها الجيوسياسي ودورها الفعّال في العالم العربي والإسلامي، مفتاحاً مهماً للكثير من الملفات التي تشغل المنطقة. لهذا تعد زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية للسلطنة، حدثًا مهمًا يترقبه الشعبان، وينظر له شركاء المنطقة وأصدقاء العالم بتفاؤل كبير.

أبدت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين، الاحترام والتقدير لسياسات السلطنة تجاه مختلف قضايا المنطقة، ورأت في تلك السياسة نهجاً حكيماً يمكن الوثوق به والاعتماد عليه في ظل عالم متقلب تحكمه الأهواء والتقلبات. فقد رأت المملكة في رسوخ موقف عُمان الدولي والإقليمي شريكاً يعمل بصدق لخير دول وشعوب الخليج ويسعى بكل طاقته الإيجابية لتوطيد لحمة أبناء هذه المنطقة الحساسة من العالم؛ حيث تمتلك عُمان رؤية سلمية لكل الصراعات وتؤمن بالتفاوض لحل كل الأزمات، مهما بلغت تعقيداتها؛ فالسلطنة هي البلد الخليجي الوحيد الذي خاض حربًا مباشرة وطبق مبدأ العفو وغلب لغة السلام وجنى ثمار ذلك بكسب شعبه أولاً، ومن ثم قام بتصفير جميع المشاكل مع الجيران، عبر ترسيم الحدود مع الأشقاء والأصدقاء، واتخاذ موقف حازم بأن لا تكون السلطنة منطلقاً لأي فتنة في المنطقة والعالم.

نحن في سلطنة عُمان نثمِّن عاليًا زيارة صاحب السُّمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية للسلطنة ونعوّل عليها كثيرًا لحلحلة الملفات السياسية العالقة في المنطقة ابتداءً من إيجاد أرضية توافقية بين الفرقاء اليمنيين وعودة السلم والأمن لليمن السعيد، وصولاً لبناء تفاهم مستدام مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فتلك الأزمات أنهكت بلدان المنطقة، وساهمت في تراجع النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، ويتم توظيفها بشكل ممنهج لابتزاز دول الخليج من أطراف نافذة في المجتمع الدولي؛ فالمملكة تمتلك كل المقومات لقيادة الأمة العربية والإسلامية وتصحيح كل المسارات وفتح آفاق جديدة للحوار البناء، لتفعيل جامعة الدول العربية وبناء علاقات متوازنة مع دول العالم الإسلامي التي تُشكل الظهير البشري والسياسي والاقتصادي لأي قرار إقليمي أو دولي في ظل عالم لا يُؤمن إلا بلغة المصالح.

ينظر شعبا البلدين الشقيقين لهذه الزيارة كونها مُكملة للزيارة الكريمة التي قام بها جلالة السلطان المعظم- أيده الله- للمملكة في يوليو الماضي، ونترقب افتتاح الطريق البري الذي يربط البلدين ويسمح بتدفق الحركة التجارية بسلاسة ويسر بين المملكة والسلطنة، ويعمل على نمو الحركة السياحية والترابط الاجتماعي بين الشعبين الشقيقين. إن افتتاح هذا الطريق المُهم وما يترتب عليه من إنشاء مناطق حرة في كلا الجانبين، يسهل وصول البضائع إلى منطقة الدقم المطلة على المُحيط الهندي، مما يوفر للمملكة إطلالة آمنة وموثوقة على العالم بعيدًا عن الأزمات المتكررة في مياه الخليج والبحر الأحمر؛ حيث تستطيع المملكة تأمين تصدير النفط والغاز عبر أراضي السلطنة دون منغصات، مما يؤسس لشراكة واعدة تُساهم بنمو اقتصادي كبير وتوفر مناخًا مثاليًا لاستحداث العديد من فرص العمل للعُمانيين.

إن رؤية "المملكة 2030" ورؤية "عُمان 2040" تتقاطعان في كثير من المحاور، ومنها تنظيم القطاع الاقتصادي، والتحول نحو مُستقبل لا يعتمد على النفط كمورد أساسي للدخل القومي، والعمل على بناء الإنسان وتطوير مداركه، عبر منح المزيد من التدريب والتحفيز لتطوير الموارد البشرية، وتنظيم عملها للوصول إلى أكبر قدر من الإنجاز، إضافة لسُبل مُعالجة الفساد الإداري والمالي والسير بالمنظومة الحكومية والأهلية نحو المزيد من المصداقية والشفافية. ولقد بدأنا نلمس الخطوات الأولى لتلك الاستراتيجيات، فرغم الصعوبات التي تكتنف البدايات، إلا أنَّ الثقة معقودة على قيادة البلدين للسير بأمان نحو المستقبل المشرق بإذن الله تعالى.

وكمهتمٍ بالشأن البيئي لفت انتباهي مبادرات سُّمو الأمير في هذا المجال الحيوي، وتمنيتُ أن تصدر اتفاقية أو مذكرة تفاهم مشتركة بين مبادرة "السعودية الخضراء" وبين أنشطة هيئة البيئة ووزارة الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في السلطنة.