وستبقى مصر أعظم

 

الموت خارج الوطن والدين.. دلالات وعبر في وفاة الجاسوسة دينا!!

د. رفعت سيد أحمد

 

قبل أيام توفيت في تل أبيب الجاسوسة (التي كانت مصرية قبل 1967) وكانت مسلمة تم اعتنقت- بالأمر وليس بالاقتناع- اليهودية، إنها الجاسوسة المعروفة إنشراح موسى والمعروفة إسرائيليًا باسم "دينا بن ديفيد"، توفيت عن 84 عامًا بعد صراع طويل مع مرض الاكتئاب، وهو مرض طبيعي لمن باع الدين والوطن من أجل حفنة شيكلات أو دولارات!

دعونا نقرأ القصة أولاً، ثم نسجل دلالاتها في هذا الزمان عام 2021، تقول سطور القصة كما نشرتها الأسبوع الماضي عشرات المواقع المصرية والعربية، أنَّ إنشراح موسى كانت تعد من أشهر الجواسيس الذين عملوا مع إسرائيل عقب حرب 1967، حتى نجحت المخابرات المصرية في إلقاء القبض عليها وعلى زوجها إبراهيم شاهين وأولادها الثلاثة عقب حرب أكتوبر 1973، قبل أن يسلمها السادات لإسرائيل في صفقة تبادل.

وتقول القصة- أيضاً- إن إنشراح موسى ولدت عام 1937 في محافظة المنيا جنوبي مصر، وتزوجت من إبراهيم شاهين الذي كان وقتها يعمل موظفاً في مديرية العمل بالعريش، والذي اتهم بالرشوة وتمَّ حبسه عدة أشهر، ليخرج من السجن عاطلاً.

عقب حرب 1967 والتي نتج عنها احتلال إسرائيل لكامل سيناء، ذهب إبراهيم إلى مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي يطلب طعاماً، ليُعطيه الضابط الإسرائيلي جوالاً من الدقيق، ثم يعرض عليه العمل مع الموساد  مقابل 70 دولاراً شهرياً.

عرض إبراهيم الأمر على زوجته إنشراح فوافقت فورا "ما داموا هيدفعوا" كما نشرت جريدة الأهرام بعد ذلك، وبعدها قام جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" بتدريبه على إرسال الرسائل الاستخباراتية السرية من قلب القاهرة إلى تل أبيب، وأتقن التمييز بين مختلف الأسلحة والمعدات العسكرية. سافر إبراهيم مع أسرته للقاهرة، وجند الزوجان أبناءهما الثلاثة الصغار أيضاً؛ حيث تعاونوا معهما في مصادقة أبناء الضباط لمعرفة مواعيد عمل آبائهم ومواقع عملهم والاستعدادات العسكرية المصرية على الجبهة. تسببت شبكة إنشراح موسى في استهداف الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري، خلال حرب الاستنزاف مع إسرائيل.

فقد أدلى الجواسيس بمعلومات لإسرائيل عن موقع وموعد وصول الفريق رياض إلى الجبهة المصرية بسيناء في التاسع من مارس 1969، فقامت إسرائيل بشن هجوم مدفعي وإطلاق النيران على موقع وصوله، مما تسبب في إصابته واستشهاده، وفق ما نشرته صحف مصرية وقتها.

كما سافرت موسى وزوجها إلى إسرائيل مرات عدة، وحصلت على جهاز تجسس لإرسال الشفرات للموساد عقب حرب أكتوبر 1973 التي انتصرت فيها مصر، وذلك حتى يتمكن الزوجان من إرسال المعلومات إلى تل أبيب بسرعة.

واستمرت الشبكة تعمل وتخرب وتبيع الوطن مُقابل أموال حرام، وفي هذا السياق يقول الابن الذي تسمى هو الآخر باسم يهودي وصار اسمه (رافي بن دافيد)، أن اسم والدته الحقيقي إنشراح علي مرسي، وليس موسى، وهي من مواليد 1937 محافظة المنيا، أما والده فهو إبراهيم شاهين، وهم ثلاثة إخوة عادل ونبيل ومحمد. كما أكد نجل الجاسوسة الإسرائيلية أنهم "تعاونوا مع إسرائيل ضد مصر خلال الفترة التالية لحرب 67″، مؤكداً أنه "تم تغيير أسماء أشقائه إلى أسماء يهودية بعد خروجهم من مصر والتوجه للإقامة في إسرائيل، واعتناقهم اليهودية"؛ حيث تم تغيير اسم والده إبراهيم شاهين إلى بن ديفيد، وكان اسمه داخل الموساد موسى، واختارت والدته إنشراح موسى بعد دخولها إسرائيل اسم دينا بن ديفيد، وأصبح اسم شقيقه نبيل: يوسي، وتغير اسم شقيقه الثالث محمد إلى حاييم.

وحول بداية رحلة الخيانة والتجسس وتجنيد العائلة من قبل الموساد الإسرائيلي، قال دافيد: "كان أسفل منزلنا في العريش كتيبة عسكرية فأبلغ والدي ضابط الموساد الإسرائيلي أبو نعيم بجميع التفاصيل الخاصة بها".

إلى جانب ذلك، لفت نجل موسى إلى أنه "لم نكن أنا وأشقائي نعرف أي شيء عن أمي وأبي لمدة عام ونصف العام، وطوال تلك الفترة كنَّا نعيش في القاهرة ثم تم التجنيد فالعمل والتخريب بقوة ضد الأهداف العسكرية والسياسية المصرية".

انتهت القصة وبقيت دلالاتها والتي يهمنا ما يلي:

أولًا: ستبقى مصر أعظم وأبقى وسيذهب الخونة من عملاء وإرهابيين إلى مزبلة التاريخ مطرودين ليس فحسب من الوطن بل ومن الدين والقيم الإنسانية العليا.

ثانيًا: الخيانة لن تفيد، والوطن هو الباقي وأي محاولة لخيانته ستنتهي بالفشل والاكتئاب والضياع ولنا في قصة إنشراح موسى (دينا بن ديفيد ...عبرة) وليست قصة تلك العائلة الموبوءة فقط؛ بل هي قصة كل من وقف ضد مصر وتجسس عليها من عملاء  لإسرائيل أو من إرهابي هذا الزمان من دواعش ما بعد الربيع العبري (وليس العربي !!!).

ثالثًاً: الدولة المصرية بأجهزتها الوطنية وفي مقدمتها الجيش والمخابرات والشرطة، لديهم جميعًا قدرات فذة في كشف واصطياد العملاء تاريخياً أو الآن وهي قدرات استمدوها من إيمان عميق بالوطن وبقداسة الدفاع عنه وهي قداسة ستؤدي حتماً إلى النجاح رغم التحديات الكبيرة خاصة في زمن الحروب وتحديداً في الفترة من 1967-1973 لقد كانت المخابرات المصرية صاحبة إنجازات ضخمة كان لها الدور الأبرز و(السري) في الانتصار العظيم في حرب أكتوبر 1973 ولا تزال قوية وحاضرة ومُؤثرة.

رابعًا: قصة إنشراح أو دينا تحتاج إلى مبدع كبير ليحولها إلى عمل درامي بأدوات حديثة مقارنة بما حدث في مسلسل "السقوط في بئر سبع" الذي جسد هذه الخيانة، لأن العمل الدرامي يبقي ويؤثر ويساهم في الحفاظ علي الذاكرة الوطنية للمقاومة وفي بناء ضمير الصمود واليقظة الوطنية وسط التحديات الرهيبة التي تمر بها مصر والأمة.. فهل نجد ذلك المبدع وهل آن الأوان لتتحول عشرات البطولات المصرية في عالم المخابرات المضادة (ولدى مصر كنز وطني كبير في هذا المجال) إلى أعمال أدبية ودرامية تنعش الذاكرة الوطنية وتساهم في تحصينها من الاختراق؟ نتمنى وننتظر.