التفاعل المفقود

 

خليفة بن محمد الحامدي **

** مدير دائرة الموارد البشرية- كلية العلوم الشرعية

 

في التاسع من نوفمبر من العام الجاري، وخلال ترؤس حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لاجتماع مجلس الوزراء الموقر، أسدى جلالته- أبقاه الله- توجيهه الكريم بإنشاء وحدة مُستقلة تتبع جلالته تُعنى بقياس أداء المؤسسات الحكومية، وضمان استمرارية تقييمها، واقتراح آليات رفع كفاءتها، مع قياس جودة الخدمات ورضا المستفيدين منها، كما وجّه جلالته بإنشاء وحدة لدعم اتخاذ القرار تتبع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وذلك بهدف رفع مستوى الأداء من خلال تعزيز كفاءة صنع القرار.

والمُتتبع للمناخ العام للأجهزة الحكومية خلال هذه المرحلة سيشهد إرهاصات تشكل مرحلة جديدة قائمة على اتباع نهج يتسم بالتخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، على أمل أن يثمر هذا الجهد كفاءةً وفاعليةً في مخرجات هذه العمليات. ولعل أبرز الجهات الحكومية التي بدأت بتفعيل آليات هذا التوجه ورسم أولى ملامحه هي وزارة العمل الموقرة، وفقاً لاختصاصاتها بالبند (2) من الملحق رقم (1) الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 89 /2020م، وذلك من خلال وضع الأسس والمعايير اللازمة لتطبيق مفاهيم التخطيط الوظيفي، والتطوير الإداري، وجودة الأداء، على مستوى وحدات الجهاز الإداري للدولة.

وتظهر منظومة قياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية التي تعكف وزارة العمل الموقرة على نشر ثقافتها بين المؤسسات الحكومية إحدى الأدوات والممكّنات التي تسهم في تحقيق التوجه الاستراتيجي لرؤية عمان 2040 والمتمثل في حوكمة الجهاز الإداري للدولة، وموارده ومشاريعه، ليكون جهازًا إداريًا مرنًا ومبتكرًا وصانعًا للمستقبل، ومرتكزًا على مبادئ الحوكمة الرشيدة.

ومن المؤمل أن تبدأ وحدات الجهاز الإداري للدولة العمل على هذه المنظومة مطلع العام 2022، لتشكل لبنة أساسية في النهوض والارتقاء بالعمليات الإدارية في الأجهزة الحكومية، كونها ستُعد حَكَمًا نزيهًا في قياس أداء الأفراد والمؤسسات، وأداةً فاعلةً لنشر ثقافة الإنجاز، والإجادة بين المؤسسات الحكومية.

وفي الجانب الآخر تقوم وزارة المالية الموقرة بعمل تكاملي مع وزارة العمل في السعي إلى حوكمة الأداء في القطاع الحكومي، من خلال الحوكمة الفاعلة للموارد والمشاريع، لضمان الاستدامة المالية، والمتابعة الدقيقة للخطط التي تضعها الوحدات، والنتائج التي يفترض أن يتم إنجازها، وهو ما حدا بها إلى السعي لاعتماد موازنة البرامج والأداء وسيلةً بديلةً لموازنة البنود، التي لم تَعُد تلبي متطلبات المرحلة المقبلة.

ويُراد لموازنة البرامج والأداء أن تكون أداة فاعلة للتخطيط والرقابة، وضبط هدر المال العام، كونها تعيد ترتيب أولويات الصرف المالي في الوحدات الحكومية، وتعزز لدى شاغلي مختلف الوظائف بالوحدات الحكومية أهمية التخطيط باعتباره عنصرًا أساسيًا وأصيلاً في العمليات المالية والإدارية في القطاع العام، وضرورة ربطه بالنتائج التي ستتحدث عن نفسها بشفافية ووضوح لدى الجميع.

وبالرغم من هذه الجهود التي تبذلها الوحدات الحكومية لإنعاش العمليات الإدارية والمالية بالقطاع الحكومي، وتحديث بنيته الإدارية والمالية، والخطوات التي بدأت تمضي نحو تحقيق الرؤية الاستراتيجية للبلاد، ابتداء من المراسيم السلطانية السامية بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولةـ والتوجيهات السامية الكريمة المتوالية الرامية إلى تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة بالقطاع العام، عبر مختلف الوسائل والمناشط والممارسات، وأبرزها ما صدر مؤخرا في اجتماع مجلس الوزراء الأخير من توجيهات سامية تعدّ نقلة نوعية في تفعيل آليات ممارسات الحوكمة الرشيدة في القطاع الحكومي، إلا أن المتتبع والراصد لهذا المشهد سيرى قصورًا في التفاعل مع هذه الجهود على مستوى المنظومة الإعلامية، والتي ينبغي أن يكون لها دور  حقيقي متلازم مع كل حدث يعمل على شحذ الهمم والنفوس للمضي قدمًا نحو  تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040".

ولا يقتصر الحديث هنا عن التقارير الإخبارية أو التغريدات، التي يتم تداولها بين الفينة والأخرى عبر الوسائل المرئية أو الحسابات الرسمية للمؤسسات وإنما ينبغي أن تكون هناك خطة إعلامية متكاملة قائمة على ابتكار أنشطة فريدة تسويقية، وصياغة إعلامية فاعلة، جاذبة ومؤثرة، تعزز الثقة والتعاون بين كافة شركاء الرؤية، تواكب من خلالها متطلبات المرحلة المقبلة، وتُشعر كافة الأفراد بأن عمان -الدولة والحضارة والإرث والانتماء والمستقبل- تنتظر منا الدور الرئيس، والإسهام الفعّال لرفعة شأنها في كافة المحافل.

كنت أتمنى أن أرى برامج حوارية عبر التلفزيون الرسمي للسلطنة، يُستضافُ خلالها بعض أعضاء مجلس الوزراء الموقر، وأعضاء من مجلسي الدولة والشورى، وممثلين من وحدة متابعة تنفيذ رؤية "عمان 2040"، وبعض الأكاديميين والباحثين والمهتمين بالشأن العام، وذلك لمناقشة التصور العام للمرحلة المقبلة، وتداعيات التوجيهات السامية الأخيرة، والآثار الإيجابية التي ستنعكس على الوطن والمواطن من هذه القرارات، والأهمية الكبيرة المتمثلة في كون المقام السامي سيكون مشرفا مباشرا على عمل الوحدات الحكومية عبر مؤشرات أداء يتم مراقبتها من خلال وحدة مستقلة تتبع جلالته بصفة مباشرة وفق معايير تنافسية؛ الأمر الذي يحتّم على الوحدات الحكومية وضع أهداف وخطط تنموية متوائمة مع الرؤية الاستراتيجية للبلاد، واضعةً رضا المستفيد، وطنًا ومواطنًا، على هرم  أولوياتها، من خلال مؤشرات قياس لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال لغة الأرقام وشواهد الإنجاز، والتي ستشرف على تقييمها، ورفع تقارير عنها الوحدةُ المستقلة التابعة لجلالة السلطان.

لا يوجد لدينا ذلك الحراك الإعلامي الذي يتم من خلاله استثمار أدوات الإعلام بطريقة فعَّالة واحترافية تعكس حجم الجهد الذي يبذل في هذه المرحلة بطريقة عبقرية ومبتكرة لسد فجوة الفراغ بين المواطنين والجهود الحكومية التي تبذل لتشكيل الهوية الجديدة للقطاع الحكومي.

والمتتبع لبعض القرارات التي أصدرتها الحكومة مؤخرا سيرى بأنها أوجدت لَبْسًا في فهمها أو تفسيرها بين متلقي الأخبار، لا سيما التوجيهات والقرارات المتعلقة بقانون التقاعد الجديد، والتعديلات الأخيرة على مستحقي الأراضي السكنية، الأمر الذي أوجد بيئة خصبة لظهور الكثير من الأخبار والشائعات، ومدعي الحصريات والمصادر الخاصة؛ دون أن تكون هنالك كلمة فصل في المواضيع بصورة سريعة وحاسمة من الجهات ذات الاختصاص، وهو ما يفترض أن يكون في دولة المؤسسات والقانون؛ الأمر الذي نرجو من خلاله أن يكون هنالك متحدث رسمي إعلامي باسم الحكومة، في كل القرارات التي تصدر منها، أو أن يتولى موقع التواصل الحكومي الاستجابة السريعة، وتوضيح ما أشكل فهمه لدى أفراد المجتمع.

لا نزال في بداية الطريق، ولا تزال هنالك الكثير من الإجراءات والإصلاحات والتشريعات والقرارات تأخذ حظّها من الدراسة والتحليل والمواءمة، قبل صدورها من الجهات المختصة بصورتها النهائية، إلا أن السير باتجاه تحقيق أهداف الرؤية يتطلب دورًا إعلاميًا رئيسًا وفاعلاً، يمثّل الوقود الذي يدفع هذه الطاقات البشرية للاستمرار والمضي نحو تحقيق الأهداف، ويوحّد المشاعر والوجدان المجتمعي للتركيز نحو غايات الرؤية الاستراتيجية للبلاد. ويعزز من قيمة الشفافية والمشاركة المجتمعية التي تشعر أفراد المجتمع بأنهم شركاء حقيقيون، وتنّمي فيهم المسؤولية الوطنية في تبنّي متطلبات تنفيذ الرؤية على الوجه المطلوب.

تعليق عبر الفيس بوك