الدولة البوسعيدية تمتلك زمام المبادرة

علي بن سالم كفيتان

لا تغيب شمس حتى تشرق أخرى في بلادي، فعُمان ولّادة السلاطين منذ وطأها مالك بن فهم لأول مرة في سهل صلوت تحت سفح جبل سمحان، حسبما تشير بعض الروايات التاريخية، واليوم يقود أبناء طارق بن تيمور دفة الدولة البوسعيدية الحديثة بكل اقتدار وعلى رأسهم وفي المُقدمة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله.

ففي الوقت الذي يحلق فيه "الطائر الميمون" إلى دوحة آل ثاني يقود صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، حوارًا أخويًا صادقًا في دبي، في هذه الصورة تتجلى روح الدولة الراسخة القائمة على عظمة التاريخ ففي بلادي لا تتزعزع المواقف؛ بل تظل ثابتة كثبات الأخضر الشامخ.

سنجلس بأريحية مع الأشقاء في قطر الخير والنماء، التي علمت الجميع أن قوة القرار والإرادة السياسية والتطور الاقتصادي والحضور العالمي صناعة حديثة لا علاقة لها بالمساحة الجغرافية؛ فقطر اليوم تشكل أكاديمية لعلوم المستقبل وأثبتت مراراً أنها تتعامل بعقلانية وحنكة سياسية وفكر اقتصادي غير مسبوق، فقد وظفت المال والإعلام لحجز مقعدها الدائم بين الكبار، فلا تكاد قضية في العالم تخلو من وساطة قطرية حميدة. ففي الوقت الذي انسحب فيه الجميع من أفغانستان، شغلت قطر مطار كابل، وصارت الشريك الموثوق لجميع الأطراف، وهذه الثقة لم تكن وليدة الصدفة؛ بل بعمل دؤوب جلب عمائم المجاهدين العصية من جبال "تورا بورا" وممر خيبر إلى ردهات فنادق الدوحة، وجلست الإمبراطورية الأمريكية بكل جبروتها لطرف الطاولة؛ لتؤمن لنفسها انسحابًا مشرفًا من بلد طالما عرف عنه أنه مقبرة الإمبراطوريات. هذه هي قطر الحديثة بقيادتها الشابة المتوقدة للمستقبل في ظل حكم تميم الخير.

لا يلومني أحد إذا مدحت قطر؛ فهي الكبد الرطبة والملاذ الآمن لمن استجار بها من هجير الزمن وعثرات الدروب الظالمة، فقد كان آباؤنا وأجدادنا يحدثوننا عن شهامة ومروة أهل قطر مع أهل عُمان؛ فالعُماني يُعامل معاملة القطري، ويأخذ مكانه في كل مفاصل الدولة الحديثة في قطر، فمنهم القضاة والوزراء وكبار رجال الدولة؛ لأن أهلنا هناك يعلمون صفاء معدن أهل عُمان، وحفظهم للمعروف؛ لذلك نبتهج اليوم بالزيارة السامية لجلالة السلطان إلى بلدنا الثاني قطر، ونبني عليها آمالًا عريضة لتعافي العلاقات الخليجية وتنقية الأجواء الإقليمية ودفع عجلة التنمية بين البلدين، فلطالما عبرنا دون ريبة أو منة عن محبتنا لقطر وشعبها الوفي الأصيل وقيادتها الحكيمة وسنظل نحفظ الجميل لكل قطري ساند عُمان أو تعاطف معها أو كان متيماً بجبالها وسهولها وشعبها الأصيل.

حري بنا في دول الخليج أن نُدرّس تجربة دولة قطر في القيادة والتنمية والتوازن السياسي والاقتصادي، فقد أثبتت الأيام المراهنة على القوى الناعمة التي انتهجتها من خلال استضافتها لكأس العالم، إلى تطوير آلتها الإعلامية التي أحدثت ضجيجًا في كل الدنيا وأصبح يحسب لها ألف حساب، فمن دعمته شاهده الملايين، ومن أشاحت عنه غاب في محليته البسيطة. وقد لا ينظر الكثير من أصحاب الفكر التقليدي لأهمية القوة الناعمة في الوقت الذي قدمت فيه قطر مثالًا لقدرة تأثير تلك القوة وسيطرتها في نسج القرار وصناعة الحدث؛ فاستطاعت أن تجانب حقوق الشعوب في الحرية والعدالة وساهمت في تقليل وطأة الاستبداد من الناحية الاقتصادية والسياسية، ولم تفرط في الثوابت، ولم تقفز في الظلام، كما فعل البعض؛ لذلك اختار مولانا- أعزه الله- أن تكون قطر هي محطته الثانية بعد المملكة العربية السعودية. 

لقد استطاعت الدوحة أن تغلّب مصلحة أبناء الخليج بصلحها التاريخي في "قمة العلا" بالمملكة العربية السعودية، وكما يُقال إنَّ القوي هو من يتسامى فوق المواقف ويغلب لغة العقل على لغة العاطفة. لقد شاهدنا الترحيب الحار والاستقبال الرائع من سمو ولي عهد المملكة العربية السعودية وهذا دليل واضح على أننا في شبه الجزيرة العربية نمتلك قوة الصفح وروح العطاء اللامتناهي، فمهما بلغ الخلاف يعلوه العفو والتسامح، وهذا ما برهناه طوال عقود مع كل إخواننا العرب في كل محنهم؛ فالخليج هو أكبر المانحين والداعمين للقضية الفلسطينية، ولم يبخل يومًا على كل الأشقاء فيما يطلبون، لكنه حان الوقت على ما يبدو أن يتمتع الجميع بالشفافية والمصداقية في معالجة قضاياه الداخلية؛ فالخليج لم يعد مستودعًا للنقد فحسب؛ بل وجهة لتصحيح الخطى وصناعة المستقبل على النهج السليم ومن هنا تنطلق ثوابت قادتنا حفظهم الله.

وحفظ الله بلادي،،،