الخضوري: الوقف التعليمي مورد رئيسي لدعم طلبة العلم والنهوض الحضاري بالمجتمعات

الرؤية- مريم البادية

يمثل الوقف أحد الأنظمة المالية الإسلامية المتعددة التي تهدف إلى تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وقد أسهم الوقف في تاريخ الحضارة الإسلامية بصفة عامة لما يؤديه من دور بارز في استدامة العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والعلمية.

وفي الموروث العُماني فإن للوقف دورًا مهمًا في دفع الحركة العلمية؛ حيث شمل أنواعًا مختلفة من العلوم وأصناف المعرفة، وتنوعت خدماته لتشمل دُور التعليم والمتعلمين؛ إذ كفلت للمعلمين والمتعلمين شؤون التعليم والإقامة وغيرها. وتأكيداً لأهمية الوقف في دعم التعليم وتمويله، يؤكد طالب بن سيف الخضوري الباحث في التاريخ العماني أن الوثائق التاريخية كان لها دور كبير في إبراز تخصيص الأفراد لأموال الوقف لصالح التعليم، كما أكد على أهمية الوقف التعليمي ودوره في تنشيط الحراك العلمي في العصور الماضية وصولاً إلى وقتنا الحاضر.

وأشار الخضوري إلى أن نظم التعليم المتبعة في الدول الإسلامية كانت تنشد تحقيق الغرض الديني المتمثل في تعليم الناشئة القرآن الكريم، والعلوم الأخرى المرتبطة به كعلوم اللغة العربية، والعلوم الفقهية والشرعية، والفلك وعلوم الحساب وغيرها، كون هذه العلوم المعول عليها في تنظيم حياة المسلمين في جميع جوانبها، وفي حالة التعليم من حيث أهميته؛ فهو بلا شك أحد أبواب الرقي الاجتماعي، كونه يفسح المجال لتولي عدة مناصب شرعية في مختلف الاختصاصات كالقضاء، والشؤون الدينية، والتدريس...، وهذا يعطينا تفسيراً لاهتمام العامة خلال الفترات الماضية بتعليم أبنائهم، كما أن سعي الدولة للعناية بالتعليم ينبع من رغبتها في ترسيخ أهميته، ولإيمانها بدوره في حماية المجتمع والدين.

وأوضح أنَّ الوقف التعليمي يعد من الموارد الرئيسة التي يُعتمد عليها في استمرار قيام المؤسسات التعليمية بدورها؛ فمن خلاله كان يتم توفير الكثير من الخدمات التي تحتاجها المؤسسة والطلبة، من المسكن والغذاء، والمساعدات للمعلمين الذين يتولون أمر التدريس، فعلى مدى الفترات التاريخية السابقة اهتم بعض الحكام بإظهار اهتمامهم، والتفاتهم إلى جانب العلم والعلماء، وبدعم التعليم وأوقافه؛ سعياً منهم إلى حماية العلم وأهله، ومن الأئمة البارزين في عهد اليعاربة الذين كان لهم دور في تشجيع التعليم الإمام سلطان بن سيف الأول؛ إذ أوقف خمسة آثار ماء لمتعلمي العلم الشريف من أهالي نزوى، وأربع وعشرين أثر ماءٍ من فلج دارس للمتعلمين، مقسمٌ على نصفين، القسم الأول للطلاب المهتمين بتعلم العلوم الشرعية، أما الثاني فقد كان للطلاب الذين يتعلمون القرآن الكريم ويحفظونه، كما أوصى أيضاً بنصف بادة ماء من فلج الملكي بإزكي، لمن يتعلم القرآن الكريم، وهناك أوقافٌ أخرى خصصت للكتب وشراء الورق والمداد.

وأشار الباحث طالب الخضوري إلى مشاركة المرأة العُمانية في التوقيف للتعليم، حيث عرف عن الشيخة عائشة بنت راشد الريامية التي عاشت في أواخر القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، اهتمامها الكبير بالعلم وحملته، إذ أنشأت مدرسة في بهلا قامت بالتعليم فيها، كما كان لها مكتبتها الخاصة التي اهتمت بها وعملت على تزويدها بمختلف الكتب في مختلف العلوم الشرعية واللغوية والأدبية، ومن حرصها على المكتبة؛ فقد أوقفت لها أموالاً من "فلج أبو ثعلب" بالرستاق، لصيانتها وإصلاحها، كما أوصت الشيخة ضنوة بنت راشد الخفيرية النزوية (القرن 12هـ/ 18م) بما كانت تملكه من كتب لطلبة العلم، وأوصت شيخة بنت محمد بن عبيد الراشدية الهناوية (من أهالي الرستاق) بتوقيف ربع المال المسمى "الملتقى" والذي يسقى من فلج الميسر بالرستاق لمتعلمي العلم الشريف، وقد حررت تلك الوصية في السابع من شهر رجب سنة 1322هـ.

وإلى جانب الأفراد كان للأسر العُمانية كذلك دور كبير في تشجيع التعليم؛ فظهرت الكثير من المكتبات الوقفية وبخاصة في نزوى والتي يعود تأسيس بعضها إلى القرن (11/12 هـ/17/18م)، ومنها مكتبة: وقف بني رَوح، ومكتبة وقف السليمانيين، ومكتبة وقف السيبانيين، ومكتبة وقف بني سيف، ومكتبة وقف بني مفرج، وقد خصص لهذه المكتبات أوقافاً لصيانتها وحفظها، أو لتزويدها بالكتب.

تعليق عبر الفيس بوك