"وفّه التبجيلا"

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

الدول المُتقدمة تتنافس في الاهتمام بتعليم مواطنيها تعليمًا عاليا وتقنيا ومهنيا وتربويا، وهو ما يعود عليها بالنفع من خلال الاستفادة منهم ومن مخرجاتهم استفادة عملية وعلمية، تجعلهم فيما بعد يخوضون غمار المشاركة في بناء الوطن كل في مجاله، ويأخذون في نهايته مواقعهم في مسيرة الإعمار والتطور.

ولا شك أنَّ أي إنسان يُقدم على التعليم ويتقبله ويسلك طريقه، فإنه بعد الاعتماد والتوكل على الله، يتطلع لأن يجني ثماره وتعب سنينه وسهره وجهده، ويرنو إلى أن يستفاد منه في مسقط رأسه بطرق مختلفة، وإلى أن يستثمر استثمارا بشريا يكون له عائد على المُجتمعات والأوطان.

ونعلم تمامًا أنه لا يتساوى المتعلم وغير المُتعلم، فالأخير لربما قدراته بسيطة ومحدودة، ولا يمكنه العمل في مجالات مثل الشريعة والصحة والقانون والتعليم والتربية والهندسة والتكنولوجيا وسائر العلوم والمعارف، أما ذاك المتعلم فوضعه مختلف، إذ إنه كابد مرارة الصبر على التعلم ستة عشر سنة إلى عشرين سنة، يتخرج بعدها حاملا لمؤهل البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه. ومن ثم الاستفادة منه واردة لا محالة إذا ما أرادت الدولة ذلك، والله سبحانه بيّن في كتابه الكريم العزيز فقال: (قل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

وفي بلادنا حينما أشرقت شمس النهضة المباركة، اهتم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بتعليم الإنسان العماني، فتعلمنا تحت ظلال الأشجار، ودرسنا واضعين أنفسنا تارةً على الأحجار، فتخرجنا وصار بعض منا الضابط والمهندس والدكتور والطبيب والوزير ووكيل الوزارة والواعظ، إلى آخر هذا الكلام.

فكان من الذين نالوا العلم وتخرجوا في ميدانه، إخوة لنا، أخذوا بعد ذلك محلهم في تعليم الأجيال اللاحقة من أبناء الوطن وغيرهم التي أتت بعدهم، وصار العماني في هذا الحقل المعرفي والعلمي والتربوي، معلما وموجها ومربيا فاضلا، وعشنا وأدركنا أهمية العلم والتعلم والمتعلمين من خلالهم.

وحينما بدأنا أولى خطواتنا إلى مقاعد الدراسة، كان وقتذاك عدد المعلمين العمانيين قليل جدًا، إلا أنهم علمونا بجانب معلمين من الأشقاء من مصر والسودان والأردن وفلسطين فتونس وغيرها من البلدان العربية والصديقة، فاجتهدوا من أجلنا وثابروا وكان للمعلم هيبته واحترامه وتقديره، وكان أهلنا ووالدينا يقولون للمعلم آنذاك، سلم له عينه فقط، أي اعتبره كأحد أبنائك وربه وإن تطلب ذلك ضربه وزجره ونهره. فكانت المدرسة آنذاك تربية وفي تقديري ستبقى كذلك، وكانت التربية علم تجسد في خلق ورحمة وكيان ومعرفة، لمسناه وقتذاك من معلمينا سواء كانوا عُمانيين أو غيرهم من الأساتذة الكرام الأجلاء. وكان في ذاك الوقت وضع المعلم مختلف تمامًا عما عليه اليوم من قلة احترام وتجاهل له من بعض الطلاب والناس، فسنة بعد أخرى عمان ولادة بمخرجات التعليم كمعلمين.

اليوم قد نرى معلمة من شمال الباطنة وهي في جنوب البلاد تلبي نداء الوطن، فتعلم أبناء بلدها في السهل والجبل وفي القرى النائية والمناطق الوعرة، متحملة مشاق السفر والغربة عن الأهل والأولاد والبيت الأسري الذي يجمعها بأفراده، تنقل ما لديها من علمٍ ومعرفة إلى عقول طلابها كي يصبحوا مسلحين بهما للمستقبل، ومدركين في حاضرهم لكل ما يدور حولهم في عالم سريع التطور.

وكذا حال أخيها المعلم الرجل، الذي يربّي الأجيال ويصنع العقول ويجعل من الجاهل متعلمًا، فكلاهما في ميدان واحد ومهمة واحدة، يروون العقول بالمعرفة والثقافة، لتصبح عقولًا نيّرة مفكرة تعرف هدفها وتسعى إلى تحقيقه، لذا وجب احترامهم وتقديرهم من العامة والخاصة.

ولكن مما يؤسف له اليوم أن نرى أن احترام المعلم وتقديره قلّ عن أيام زمان، وخاصة من طلاب المراحل المتقدمة، وهذا يعود إلى ضعف التربية خارج المدرسة، فالمعلم الذي هو صاحب رسالة وصاحب أرقى وأسمى مهنة، ينبغي تقديره واحترامه، فذاك في حقه مصداقًا لقول الشاعر: "قُم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا".

فمسؤولية احترام المعلم وتقديره، تقع أولا على عاتق الوالدين إذ يجب عليهم غرس حب المعلم وتقديره في نفوس النشء والأبناء، لأن أي أمة لا تصل إلى التقدم والتطور إلا به. فتطور الأمم يقع على كاهله ومرهون بجهده وعزمه وإصراره، ومهما قيل فيه من كلمات لا يمكن أن نوفيه حقه.

من هذا المنبر أقول لولا المعلم لظللنا غارقين في جهلنا، فكلمة إلى وزارة التربية والتعليم بأنه يجب مراعاة المعلم ووضعه في مكان يؤهله للعمل براحة، فالاستقرار النفسي مهم والمعلم العماني أيا كان ذكرا أو أنثى، فيه الخير والبركة، ونوجه لهم التحية ونرفع لهم القبعة، فـ"من علمني حرفا صرت له عبدا"، ونسأل الله لهم التوفيق ومزيدًا من الاهتمام والاحترام والتقدير من جميع الطلاب والمجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة