سماء البقاء

 

فاطمة الحارثية

 

عندما نصل لمرحلة الروتين يبحث الكثير منِّا عن طاقة الاستمرار، سواء على هيئة حزب أو جماعة أو مُرشد، أو خنوع أو اتباع أساليب مختلفة، أو غيرها من الأشكال التي يستعين بها لتكملة المسير بوتيرة البقاء؛ وفعليًا الغالب منا يكتفي بتلك الوتيرة، ويعتمد عليها في كل شيء، لفترة من الزمن، والبعض الآخر يتخذ منها أسلوب حياة، خاصة إن كانت بأقل جهد وأعلى عائد ممكن، في تجاهل بأن الحياة في دوران مستمر.

أجمل الأدوار لدى المحيط الحالي "معظم الناس" اثنان، دور الضحية، ودور المنقذ، والبعض الآخر يجمع بين الاثنين أو يحارب الدورين، قد لا يُدرك البعض فعله لأسباب كثيرة، لكن لا أرى أياً منهما يليق بخليفة الله على الأرض، لأنَّ أدواره الحقيقية، تتطلب أن يحمل في ذاته كيان وقيم ومبادئ الإنسان، خاصة في دوره كعابد، ودوره في تعمير الأرض، وغيرها من أسس الحياة، والأهم من كل ذلك بذل قصارى الجهد، دون الانغماس بالعائد "المقابل" الدنيوي؛ فالحياة لا تبقى لأحد، وما عليها فانٍ إلا سعيك.

 

قال لي إنه لا يستطيع، وكان عليه اتخاذ تلك القرارات، التي أردت بحياته إلى الحضيض، وقال أيضاً إنه استخار الله، واستشار الناس، لكنه خالف كل ذلك، وقام بما رآه هو من تلبية لطلب أقرب الناس له، أصبح اليوم يبذل الكثير من الطاقة لاستغلال الناس، لا يبحث إلا في الأمور التي فيها مصلحته "مقابل"، اتخذ من دور الضحية سبيلا للحياة، وشوه وجوده؛ الآخر أحب دور المنقذ البطل، وأخذ من منصات التواصل الاجتماعي منبرا له لتحقيق وهم "المنقذ"، ادعى أنه يعمل من أجل كشف كذب الناس، متجاهلا القوانين وأثر ذلك على أسرة فريسته ومن حوله وتبعات ذلك، ثم تحول إلى المنقذ فاعل الخير، لفك كُرب الناس، وجمع أموال ديون أقدم عليها واختارها جامعها لأهدافه وأطماعه الدنيوية، في غفلة أن ذلك يُشجع الناس على ما لا يُحمد عقباه، فكر سطحي وعمل محدود من أجل الشهرة.

إن سماء الجهد الواسع، ليس في ما تبذله من أعمال بحلول مؤقته وتضليل دائم، بل هو ما تغرزه في الغير من دافع وقوة في سبيل النفع المستمر، السعي الهادف، والإقبال بشجاعة نحو تحمل المسؤولية، سداد الديون لا يوفر طعاماً بينما تعلم عمل/ صنعة، يعمل لهم الكثير؛ إن أتعبنا البحث عن عمل، لنصنع عملا فلا عيب في ذلك، نعم بذلنا الكثير من الجهد في التعلم والدراسة والسهر، لكن الأيام تمضي، وعند البعض عادلت سنوات البحث سنوات الدراسة وقلق الجامعة، وربما زادت، فهل الأمور إما وظيفة براتب على مستوى شهادتي، أم الهدف الفعلي من الشهادة هو العلم والعمل المنتج، إننا نقلد الغرب في الكثير من الأمور، ومع ذلك كل ما يحصل، هو دليل أننا نقلدهم حسب الهوى وقشور الأمور، ماذا عن نظام العمل الجزئي، نظام العمل الخدمي بأجر، نظام العمل الحُر، نظام العمل المفتوح في مجال المهارات، يوجد الكثير من أنظمة العمل، ويحق للصغير والكبير خوض تلك الأعمال بكل كرامة، وقبول المجتمع بهم دون دونية أو تحقير؛ يحق للطالب على مقاعد الدراسة أن يُعطى الفرصة في العمل الجزئي، فهو الذي يجوع ويرغب أيضاً في تكملة تعليمه، من أجل مستقبل أفضل فلماذا لا نسمح بذلك، نعم لدينا الضمان الاجتماعي لكن إلى متى الرعوية، خاصة في ظروف الاقتصاد غير المستقرة وعلو تكاليف المعيشة.

 

سمو..

 

علينا أن نغير أنفسنا لنستطيع أن نأتي بأنظمة صحيحة، ونحل الكثير من العوائق الاجتماعية التي ابتدعناها، وصنعناها بأنفسنا، أن نأتي بالخير وننأى بعيدًا عن الاستعراض ليظهر عملنا النافع ويعم ويتطور.

لنعش على قياس اليوم ومعايير الغد، ربما يحدث خير.