الفكر الدستوري و"رؤية 2040"

 

عيسى الغساني

من المستقر نظريا وعلميا ومن استقراء أي مشروع نهضوي، بأنه يستند إلى بعدين؛ هما: البعد التخطيطي والبعد القانوني المنفذ له، وأهمية البعد القانوني أنه يضع القواعد المجردة التي تضمن تنفيذ الخطط في السياق المرسوم لها، ولا يسمح القانون بالانحراف عن مسار الخطط؛ بل ويوقف الانحراف ويمكن صناع القرار من إعادة التقييم والتصحيح، وبذلك يظل قطار التخطيط الاستراتيجي في مساره الصحيح.

وما هو ضروري لبناء إستراتيجية قانونية أن تكتمل كل حلقات الفكر القانوني وهي الدستور وتفسيره وآليات تطبيقه والتشريعات ونظام تقنينها وإصدارها وتفسيرها.

ورؤية "عمان 2040" ليست خطط تنمية فحسب؛ بل مشروع نهضوي يرمي إلى نقل السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة في مجالات العلم والمعرفة والبحث العلمي والنمو الاقتصادي المستدام. ويبقي تكامل هذا المشروع النهضوي ببعديه التخطيطي والقانوني، استحقاق تستدعيه الضرورة والتكامل العملي، سعيًا لتحقيق الأهداف المرسومة. وتكمن أهمية البعد القانوني عند تطبيق المشروع النهضوي؛ حيث تظهر أوجه القصور وأحداث غير متصورة عند إعداد المشروع النهضوي، وهنا يقتضي واقع الحال التصحيح، والتصحيح لا يكون إلا بتطبيق القوانين، أو تطويرها أو استحداثها لتواكب ضرورات المرحلة، فالمشروع النهضوي يتعاطى مع المستقبل، والمستقبل لا يُدار بقوانين الماضي؛ بل يتطلب قوانين تستشرف المستقبل.

الرؤية المُستقبلية "عمان 2040"- كمشروع نهضوي- تستلزم أن تواكبها وتتزامن معها حلقات محكمة من القوانين واللوائح تكون متكاملة وفاعلة وقادرة على التجدد والتطور، ويأتي على رأس هرم المنظومة القانونية الحماية الدستورية لشرعية ومشروعية المنظومة التشريعية بكل فروعها الناظمة للعمل العام أو الخاص وبما تشمله من الطيف الواسع لكل النظم بكل درجاتها.

وفي سياق هذا الطرح، تمثل المحكمة أو الدائرة الدستورية، مطلبًا مُلحًا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فعلى المستوى الداخلي، يعني ضمانات تأصيل القانون روحًا ومعنى، ويتجلى ذلك في مشاركة المجتمع في تعديل وتطوير القوانين والتيقن من تطبيقها، وبذلك يرتفع مستوى الثقة في القانون ويخلق ذلك الشعور بالثقة والاطمئنان للفرد والمجتمع والمؤسسات العامة أو الخاصة. وعلى المستوى الخارجي؛ فإنها توجه رسالة مفادها أن المنظومة الوطنية مكتملة، فيحدث التقدم في التصنيف القانوني على المستوي الدولي، ويوحي ذلك بالشعور بالثقة ويستقطب الراغبين في مختلف قطاعات الاستثمار.

وعن تساؤل كيفية خروح الفكر العملي الدستوري إلى الواقع، فمن خلال استقراء الماضي، هناك عدة نماذج منها الرقابة الدستورية السابقة، والرقابة اللاحقة، والنموذج الذي يجمع الرقابة السابقة واللاحقة. وتبدا الخطوة الأولى بإعداد فريق عمل يقدم فكر الرقابة السابقة وتقديم استشارات تطوير وتعديل وتحديث القوانين واللوائح وبما يتفق مع ضرورات المرحلة والاستقرار التطبيقي للقواعد القانونية ومعالجة القصور والاختلالات بمنهج علمي إصلاحي تنويري وتطويري.

ولعل من نافلة القول أن المنظمات الدولية بشقيها الدولي والمجتمعي، تضع تكامل حلقات المنظومة القانونية كأحد عناصر تصنيف جاذبية بيئة الاستثمار، وكذلك تصنيف الشفافية الذي يستخدم لإعداد الدراسات الأولية لتقييم الضمانات القانونية لمختلف قطاعات الأعمال والاستثمار.