أصحاب أعمال يأملون إعادة النظر في زيادة الرسوم وبعض القرارات

شبح الإفلاس والإغلاق يطارد المطابع.. ومناشدات لحماية الصناعة الوطنية ودعم المنتج العماني

أصحاب المطابع يشكون من "التكلفة الباهظة جدًا" لاستقدام الفنيين

◄ 2000 ريال لاستقدام عمال فنيين.. بينما 600 ريال للمهن المتاحة للعمانيين!

لا كوادر عُمانية كافية متخصصة في الطباعة.. ولا معاهد تدريبية لتأهيل المواطنين

إحدى المطابع ستدفع 80 ألف ريال لتجديد إقامات العمال

أسعار الخامات والورق قفزت إلى الضعف.. والركود يفاقم الأزمة

الرؤية- فيصل السعدي

على الرغم من الجهود الحكومية الحثيثة من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي وتحفيز نمو مؤسسات القطاع الخاص، لاسيما المؤسسات والصناعات الوطنية التي تضررت من الإجراءات المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا وغيرها من القرارات الحكومية المُفاجئة والتي لم تستعد لها تلك المؤسسات، إلا أنَّ قطاع المطابع، وهي صناعة وطنية راسخة، تواجه تحديات غير مسبوقة، تهدد بإغلاقها إلى الأبد.

ويشكو أصحاب مطابع كبرى من الضغوط التي يواجهونها من أجل الحفاظ على استمرارية عمل هذه المطابع، لما تمثله من أهمية كبيرة في مختلف مجالات الحياة؛ حيث تسهم هذه المطابع في طباعة الكتب المدرسية والعديد من المطويات والاستمارات الحكومية وغيرها الكثير، فضلًا عن دورها الوطني في توظيف المواطنين بأعداد كبيرة، في تخصصات عدة، إلى جانب عدد من التخصصات غير المتوفرة في السلطنة والتي يشغلها فنيون من خارج السلطنة.

"الرؤية" سعت إلى تلمُّس شكاوى أصحاب المطابع، من خلال الاقتراب منهم، والاستماع إلى صرخاتهم العميقة؛ إذ أكدوا أنهم على أتم الاستعداد للعمل ولو بالحد الأدنى من الأرباح التي تكفي للمصاريف التشغيلية، بيد أنَّهم يتكبدون خسائر طائلة منذ نحو عامين. ومن خلال معايشة حية في أروقة هذه المطابع، تعرفت "الرؤية" على طبيعة العمل الشاق والدقيق في هذه المطابع، التي لا يتوقف أزيز ماكيناتها طوال ساعات العمل. وتحدث عدد من المعنيين في هذه المطابع عن التحديات التي يواجهونها، ومنها ارتفاع تكلفة الطباعة مع زيادة أسعار الخامات فضلاً عن زيادة أسعار الطاقة والمصاريف التشغيلية، لكنهم ذكروا أن "القشة التي قصمت ظهر البعير" تمثلت في مُضاعفة رسوم استقدام العمالة الوافدة المتخصصة في هذا المجال بنسبة "خيالية" على حد تعبير أحد المسؤولين في هذه المطابع. ويقول المسؤول- الذي يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 30 سنة- إن قطاع المطابع يوظف أعدادًا كبيرة من العمانيين في وظائف متنوعة، وهناك المئات من الأسر العمانية التي تعيش على الدخل الذي يحصله العامل العماني من المطبعة، لكن في الوقت نفسه هناك تخصصات غير متوافرة في السلطنة، تدفع أصحاب المطابع للاستعانة بعدد من العمال الفنيين من خارج السلطنة. ويستدرك المسؤول قائلاً: "إنَّ رسوم استقدام وتجديد تراخيص القوى العاملة الوافدة في عدد من التخصصات، تهدد بإفلاس المطبعة؛ حيث إن قرار وزارة العمل رقم (12/ 2021)، رفع رسوم استقدام العمالة إلى مستويات مرتفعة جدًا، وهذا غير منطقي، وسيكون سبباً أساسياً في تعثرنا وتكبدنا للخسائر وربما الإفلاس والإغلاق في نهاية المطاف".

اقتربت "الرؤية" من أحد العاملين العمانيين في هذه المطابع، وتعرفت على كفاءته في العمل، لكنه أكد أنَّ مهمته وخبراته هو وزملاؤه تقف عند مرحلة مُعينة من العمل، وأن هناك مراحل أخرى تستلزم وجود خبرات أجنبية، خاصة إذا ما علمنا أنَّ هذه المطابع تستخدم ماكينات ومعدات تقدر قيمتها بملايين الريالات، حتى إنه في بعض الأحيان إذا ما حدث عطلٌ ربما يستدعي الأمر استقدام خبير من أوروبا (وأشار إلى ألمانيا) لمُعالجة العطل، والذي قد يتكلف الآلاف من الريالات.

وبالعودة إلى صاحب إحدى المطابع، فقد أكد أنَّ القرار الوزاري المشار إليه لم يأخذ في عين الاعتبار أنَّ هذه الوظائف التي جرى رفع رسوم استقدام العاملين فيها لأكثر من 2000 ريال عماني، لا يوجد مواطنون حاصلون على شهادات تخصصية فيها كي يتسنى تعيينهم بدلاً من الوافدين، حتى إن تدريب وتأهيل العاملين حاليًا لن يتحقق في سنة أو سنتين، لأنَّ الأمر يستلزم دراسة وتدريبا في الخارج، مشيرا إلى عدم توافر مدربين متخصصين أو معاهد تدريبية في هذا المجال بالسلطنة. وقال: "لا يتوافر في عمان برنامج تدريبي لتأهيل كادر فني يستطيع العمل في مجال الطباعة، فكيف لنا أن نُحقق التعمين دون توفير مشغلين عمانيين يستطيعون العمل بكفاءة في آلة طباعة أوفسيت أو آلة طباعة أسطوانية، وآلة طي الورق وغيرها من الآلات العملاقة، علمًا بأنَّ أي خطأ من مُشغِّل الطباعة قد يُعطل عمل المطبعة بالكامل".

ويضيف أحد القائمين على مطبعة في مسقط، أن تكاليف رسوم تجديد العمال مبالغ فيها، مشيرا إلى أن تكلفة استقدام مهن أخرى لا تتجاوز 600 ريال، على الرغم من أن هذه المهن يتوافر فيها شباب عماني متحمس للعمل، وهناك العديد من خريجي الجامعات العمانية حاصلون على شهادات تخصصية في هذه المجالات، على عكس تخصصات العاملين في مجال الطباعة. وشكا المسؤول من قسوة هذه الإجراءات التي تضر بصناعة الطباعة في السلطنة، حيث إن المطابع تعد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي الوقت الذي تتحدث فيه الجهات المختلفة عن أهمية دعم مثل هذه المؤسسات، تأتي قرارات وزارية فتزيد من معاناة هذه المطابع. وذكر أنه يخشى أن تتعرض مطبعته للإفلاس والغلق في غضون الشهور المقبلة؛ حيث لن يتمكن من تجديد إقامات العاملين الفنيين الوافدين لديه، لأن تكلفة التجديد تتجاوز 80 ألف ريال لنحو 40 عاملًا، وهذا المبلغ أقل من الأرباح السنوية، ناهيك عن التكاليف التشغيلية وأسعار المواد الخام من أحبار وكيماويات وورق كلها يتم استيرادها من الخارج، وكذلك الضرائب. وذكر أن ارتفاع أسعار الخامات خطر داهم بجانب ما سبق؛ حيث إنه كان يشتري طن الورق بـ850 دولارًا، بينما الآن يشتري طن الورق بأكثر 1100 دولار، إضافة إلى ارتفاع مصاريف الاستيراد والرسوم الجمركية والشحن والنقل واللوجيستيات، وكلها تكاليف تتسبب في خسائر هائلة.

وعندما زارت "الرؤية" إحدى المطابع، وجدت آلة عملاقة تتألف من قطع كبيرة متراصّة بأحجام مختلفة، ويعمل على هذه الآلة الواحدة فقط 12 عاملًا فنيًا متخصصًا، على مدار 3 فترات في اليوم الواحد، وسيكون من العسير جدًا توفير كادر متخصص بعد تطبيق قرار وزارة العمل.

تحدث "الرؤية" كذلك إلى عدد من المسؤولين في مطبعة الزهراء، الذين تحدثوا عن الأعباء الشديدة التي يتحملونها، بدءًا من الرسوم الباهظة للغاية لاستقدام الفنيين المتخصصين من الخارج، أو الضرائب، أو حالة الركود التي تعاني منها السوق، في ظل خطط الترشيد الحكومي والتراجع الحاد في المبيعات، مضيفين أن ضريبة القيمة المضافة أضافت الكثير من الأعباء، حيث يتعين على المطبعة دفع الضريبة أولًا حتى قبل تحصيل المبالغ من السوق، مشيرين إلى أنه في كثير من الأحيان تتأخر المطالبات المالية لأكثر من عام ونصف العام.

وقال صاحب إحدى المطابع- طلب عدم نشر اسمه- إنه يعاني منذ سنوات ولا يُحقق أية أرباح، خاصة السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أنه سعى مع مجموعة من أصحاب المطابع إلى تقديم التماسات وشكاوى للجهات المعنية لتخفيف الأعباء عليهم وحماية هذه الصناعة الوطنية، لكن "كل مرة نعود بخفي حنين"، على حد قوله.

أحد المسؤولين في "مطابع النهضة" ذكر أنَّ هناك تعارض واضح في بعض القرارات الحكومية؛ حيث كانت وزارة التربية والتعليم تسند لهم سابقاً مناقصات الطباعة مع منحهم فترة كافية لإتمام عمل الطباعة، أما الآن فتغيرت القرارات؛ حيث يشترطون علينا الطباعة خلال مدة أقصاها 45 يومًا. ويوضح المسؤول أن هذه الفترة لا تكفي مطلقًا لإنجاز العمل، ما يدفعنا إلى تكبد خسائر من أجل الإسراع في إنجاز المهمة، مشيرا إلى أنه في حالة عدم تمكنه من تجديد إقامة أو استقدام العاملين غير العمانيين سيتعرض للإفلاس وإغلاق المطبعة وخسارة أموال طائلة أنفقها على تطوير الطباعة وشراء أحدث المعدات والطابعات.

تعليق عبر الفيس بوك