يا ثورة الأحرار.. يا ثورة الأحرار!

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

يصادف الأول من نوفمبر ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية "حرب التحرير" ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1954 التي توجت بالنصر في الخامس من يوليو سنة 1962 بعد ثماني سنوات من الكفاح المسلح قدم خلالها الشعب الجزائري البطل مليون ونصف المليون شهيد في سبيل الحرية والاستقلال.

ومنذ لحظة انتصارها تحولت الجزائر- وما زالت- إلى إحدى أهم قلاع التَّحرر الوطني؛ حيث ساندت كل القضايا العادلة وكانت ملاذا دافئاً لكل أحرار العالم. والآن تقود القاطرة العربية باتجاه قلب العروبة النابض.. وتتصدى لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. صدق المناضل الغيني أمليكار كابرال عندما قال "المسلمون يحجون إلى مكة والمسيحيون إلى الفاتيكان والثوار إلى الجزائر"، وتأتي هذه المناسبة في ظل ظروف معقدة وصعبة داخليًا وخارجيًا.

لقد كانت جزائر الثورة مستهدفة على الدوام وكان النظام الوطني يستشعر ذلك ويتهيأ للقادم من الأيام بإخلاص تام للقضايا الوطنية والقومية، فمعظم الأنظمة التقدمية التي أنهت الوجود الاستعماري تتوقف في منتصف الطريق حين أرادت الدفاع عن اختياراتها السياسية وسيادتها بقوى اجتماعية نمت في أحشاء السلطة وتعمل على حرف مسارها الوطني العام. وقد يتناسى البعض أن "رأس المال لا وطن له"، ومتى ما وجد طريقه إلى الأفئدة تتحول "الرايات إلى كرافات ودماء الشهداء إلى بنوك" على حد قول دريد لحام في مسرحية "كاسك يا وطن" للمبدع الكبير محمد الماغوط.

"إنَّ مُواجهة التحديات الخارجية تستوجب بالضرورة مواجهة التحديات الداخلية. من يُريد التصدي للعدو الخارجي عليه القضاء على العدو الداخلي" وعدونا جميعاً كأمة عربية هو الفقر والجهل والبطالة والفساد والمحسوبية وقمع الحريات السياسية والارتباط بالإمبريالية العالمية، وإذا لم نُعالج معضلات واقعنا برؤية وطنية واضحة تنحاز إلى الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة سينفذ كل من يتربص بنا شراً إلى عمق القاعدة الشعبية بيسر. لا تكفي الجيوش والأسلحة والأجهزة الأمنية وفيالق الانتهازيين كل هذا لا يُشكل ضمانة آمنة للاستقرار.

ونحن في رحاب هذه الذكرى العزيزة على الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج والجسد العربي ينزف دمًا وجوعاً وحرماناً فإنَّ الواجب الوطني والقومي يقتضي لفت الانتباه. لا شك أن هناك مخطط مرسوم للمنطقة العربية وهو ليس بخافٍ وأطرافه تُعلنه صباح مساء. وكيفية تنفيذه تتطلب استعدادا داخليا "ظرف موضوعي" مادته الأساسية الملايين من المحرومين والمقهورين في أوطانهم. طبعًا ندرك أنَّ هناك بعض الأطراف الداخلية مجندة تاريخيا لخدمة مشاريع الأعداء وليس هذا المقصود: عندما تنسد الآفاق أمام الأجيال في بناء مستقبل مشرق، ستجد القوى الخارجية تربة خصبة لتنفيذ مشاريعها. ولا حاجة أن نستحضر الإجابه المألوفة: وماذا كانت النتيجة وهل حققوا أهدافهم؟

إن طرح السؤال بهذا الشكل بقدر ما فيه من تبسيط الأمور، بقدر التنصل من المسؤولية التاريخية في الدفع بهذا الخيار. وما يجري حالياً على الأرض العربية في جوهره انتحار من تراكم الإحباطات والانكسارات وليس خيارا سياسيا وفكريا ناضجا. هنا لا يسأل الجائع والمضطهد لماذا صرخت ولماذا انزلقت؟ بل يسأل من بيده القرار والسلطة والمال ماذا فعلت؟ ولماذا.. ولماذا.. ولماذا؟

لقد اختار الشعب الجزائري العظيم وطلائعه الثورية هذا اليوم، طريقًا للحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الوطنية. وهي فرصة للتأمل الحقيقي والتقييم الإيجابي والمراجعة الصادقة، بحيث تفتح آفقاً رحباً واسعاً وشعاعاً يُنير الدرب أمام الأجيال الجزائرية والعربية التي تمجد هذا اليوم الخالد. حتى نردد جميعًا مع المطربة الجزائرية الشهيرة صليحة الصغيرة يا ثورة الأحرار.. يا ثورة الأحرار.

وفي الذكرى السابعة والستين، تحية للجزائر الصامدة شعبًا وقيادةً.