ثروة لا افتقار

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafer.alharthy@hotmail.com

بالرغم من عدم وجود تعريف جامع ومانع من قبل الفقه لظاهرة "الرأي العام"، إلا أنه في المقابل هناك محاولات أقرب إلى أن تكون إعطاء وصف خاص لها، وقد خلصتْ إلى كونها ظاهرة تنبع من خصائص المجتمع السياسي وتتعلق بالنسق القيمي، وفي المقابل تتسم بكونها قياسًا لمدى الوعي الفكري وحضارية المجتمع.

من جانب آخر، قُدم الرأي العام "كمتغير يمتلك القدرة والتأثير في عملية صنع القرار السياسي"، وفقاً لوصف الدكتورة حميدة سميسم، إلا أنه بسبب الحقائق النسبية التي تقدمها هذه الظاهرة، يعنينا بصدد هذا المقال، الأثر الذي يخلفه الرأي العام من بناء نظام إعلامي جديد، وقوة في التوجيه والتأثير، وما يغرسه من أفكار وسلوكيات والتي في بعض الأحيان قد تُؤدي لنتائج سلبية.

كل ما سبق مدخل لموضوع "خطورة قيادة الوعي الوهمي" أو "المُثقف الوهمي للمجتمع"، فهناك في الحقيقة فارق بين من يكتظ لديه كم هائل من المعلومات، وبين المُثقف الذي إما أن يكون هدفه الإصلاح أو كشف الحقيقة، والذي من خلال ما يمتلكه من معلومات يسعى لتقليل دائرة السلبيات وتوسيع دائرة الإيجابيات. وترجع أهمية طرح هذا الموضوع عند الحديث عن الثورة الحقوقية في المجتمع المعاصر؛ مما يعزز- في الجانب الآخر- مدى أهمية التثقيف القانوني أو الوعي القانوني الذي يزيل الغموض عن نظرية الحق ونظرية القانون اللذين بمعرفتهما ندرك جوهر القانون.

إن وجود حِراك ثقافي قانوني في مجتمع مُعين له مردود فكري أخلاقي ومردود مادي سلوكي، فضلًا عن الحرص الذي سوف يتسيد المشهد القانوني من أجل تطبيق أفضل الممارسات، والذي بدوره سينعكس إيجابًا داخل ذلك المجتمع. ونتيجةً لحصيلة الوعي الحقيقي يكون الأفراد في ذلك المجتمع شركاء في إرساء العدالة والقانون؛ وإن كل أثرٍ نتج عنه إرهاق الدولة والمجتمع وتسبب في الالتفات عن تطبيق صحيح القانون لاعلاقة له بالوعي القانوني أصلًا، فالقانون لا يتعلق بتخصص الفرد ولا يتعلق بصفات الناس وحسب، بل الكافة بدون استثناء، ولأنه متوغِّل في حياة كل فرد فينا وفي كافة مجالات الحياة كلًّا منا مسؤول وبإمكانه القيام بشيء.

المتخصصون في كافة المجالات يؤدون أدوارًا مهمة، إلا أن الهدفية الموضوعية تكمن في شغف الفرد المتخصص الذي يسعى للتأثير بعد تأثره، والإثراء بعد تعلُّمه، فضلًا عن حمل رسالة المجال وفكرتها الصحيحة، ومن هذا المنطلق حبانا الله بهؤلاء الذي يأخذون على عاتقهم مهمة نشر الثقافة الصحيحة والتي يعتبرونها التزامًا وواجبًا أدبيًا يرقى إلى مصاف الالتزام القانوني، فهم من أولئك المؤتمنين الذين يقضُون حوائج الناس في كل موقع ينضمون إليه، إلا أننا قد نرى بعض التجاوزات أو الممارسات من قبل البعض ولنفترض القلة التي قد تشوِّه كل ذلك، وهم الذين يجب علينا الحذر منهم.

في عرف القانونيين وعاداتهم، تتجلى بعض الصفات الرائعة التي ينبغي تعميمها، لاسيما تلك التي تقضي بالتبين من الخبر، ومقارعة الحجة بالحجة، وقانون الإثبات، وضبط السلوك وانتقاء الألفاظ وغيرها، التي تكتسبها الشخصية القانونية، بغض النظر سواء كمتخصصين قانونيين أو غيرهم ممن يسعون إلى ضم هذا الجانب لشخصياتهم؛ وقبل كل ذلك تلك هي رسالة من رسائل وتعاليم الدين الإسلامي السمح، ومن قبلها كافة الشرائع السماوية التي اتفقت على احتواء قواعد الأخلاق.

تعليق عبر الفيس بوك