بعض الغياب يقتل

منال السيد حسن

في جيبي فراشة منك.. حينما أغفو تطير حتى أطرافيَ المترامية.. تُشمشم في أشواقيّ الضالة.. ربما تهتدي، بعضٌ من عطرها في صدري، يوقظ ما تبقى مني، يشعلني ويكسو كسور خاطري المكلوم.

كل ما هجرني منك.. يسطع الآن.. الآن أراك!!.. تهدهد روحي بخفةٍ وحنين.. وأسفل أضلعي اليسرى كل منك يتشبث بما لك في قلبي.. فيبقيني حية!

مساحات خاوية حاولت فيها ممارسة الحب وحدي!! وكنت أراك تضمني في كل مرة أهوى بإرادتي أو على غير إرادتي؛ محاولة لأن أتجاوز فكرة أنك لست هنا.. لكنك بالفعل هنا! في أقرب نقطة لالتقاء روحيْنا؛ أجدك ساطعًا هناك!

بعض يومي حين كان يمر.. كانت قتامة الوقت المريبة في عيونٍ مغمضة بشدة.. تخشى أن تبصر شيئا عداك.. حينها أرى في جيبي فراشتك الرشيقة تربت على عيني في سلام.. ويتسلل الضوء بغتة، كيف لي أن أرى ظلك في كل هذا الإشراق بكل هذا الإشراق؟!! ولكن ما يحدث -هذه المرة- كان كافيا -هذه المرة- أن يفي بوعدك حين تقبلني!! شيء ما في حضورك يصيبني كمن مسه الجن.. قدّاحة الحب تشتعل وتحرق جميع الخرائط التي تبني مسافات الاغتراب.. وتبقى دون فواصل أو حدود.. لذة وجودك تجعلني أبكي خشية أن ينكب الكون عليّ بلحظةٍ وتصبح الفراشة حلمًا عنيدًا!!

لا شيء أستطيع أن أخفيه حين تدار موسيقى أغنية قديمة، أفتش في تفاصيل لحنها عن أسباب حبي لك.. لا شيء يروّض صبري حين أفكر في أوقاتٍ بعينها هي كل ما أرتجيه.. لا شيء يمكن أن يخفي تفاصيلك المنحوتة على وسادتي.. ولا شيء يمكنه حساب الوقت والصلوات حينما أعجز عن النوم في غيابك.. لا شيء يعادل وجود فراشاتك في صدري وكيف أنها تكون مثيرة حين تشرح خافقي!!

قمرٌ وحيدٌ في المجرة أعترف أنني على علاقة عنيدة به.. ويضيء فقط حين تُقبّلني!

وما زلت كما أنت بناظري رُغم مرارات الغياب ووجود الأحبة والقهقهات والضحكات والدموع، ورُغم الجرح النافذ في صدري، ولعنة الإضاءات للعلاقات الواهمة ومحاولات استبداد الروح التي لن تكون..

أحبُك.. وما زلت أرغب في الإمساك بأكمامك بشدةٍ، وأهوي بين خطوط يديك وأضع خدي على باطنها، وأطفئ أنوار الخراب في داخلي.. بساطتي التي يخالها الجميع سذاجة؛ وحدك كنت تتفهمها.. وحدك كنت تراها بقلبك البريء جمالًا متفردًا، ولا يهمني أن يراه أحد غيرك.. وما زلت أفتقدك وبشدة!

لا أعلم كيف لأحدهم أن يظل عالقًا بكل التفاصيل التي أحبها ولا يروم الذهاب! وأتساءل في أسى: كم مرة سينهار داخلي حتى أستطيع نزع وشومك المحفورة على صدري؟! وكيف تظل ذكريات الماء والرمل تعصف في بؤبؤي وتتلاطم بين جفوني كطائر مذبوح؟! أضع يدي على جانبي الأيسر، محاولة أن أمرر بعض الهواء إلى داخلِ ثقوب قلبي الكسيرة، وأرجو بيني وبين نفسي "لو أن الحظ يحالفني مرةً وأراك!".

ليس سهلًا أن نمنع أنفسنا عن المجازفة، ألا نُخاطر لأجل البقاء على قيد الحب، ورغم علمنا التام بأن نفوسنا ليست محطة للكهنة يعربدون ويشعوذون فيها، أو رصيفًا تتجمع عليه فتيات الليل؛ إلا أن أرواحنا تحولت لحانةٍ كبيرة تُقرع فيها كؤوسُ النسيان وكل ما يرجوه السكارى ألا تنضب كؤوسهم أبدا، ألا يفيقوا!

معاركٌ هائلة تصيبُ القلب في الغياب، ولا يستطيع أحد فك طلاسمك المحفورة على جدرانه، وأودك أن تعلم بأني رُغم عطشي أحيانًا لقول "نعم"، إلا أنني سأظل دائمًا -كما عهدتني- أقول "لا" وأدعو لذلك!

هل جربت يومًا أن تحترق؟!

غيابك لعنة.. حربٌ تواجه صبري بشدة.. ورُغم أني أمَّلُ خوضَ الحروب الباردة التي لا تمل اختبار كفاحي.. إلا أن عقارب ساعتي اللعينة تسير إلى الوراء؛ تقحمني في تفاصيلٍ مميتة وبائسة.. أحاول ولم أقوَ.. وطوال الوقت أعاتبها في مذلةٍ وأتساءل بيني وبينها كيف لمسببات السعادة أن تصبح مصدر آلامنا وبؤسنا؟! وكأنها تتفق وعذابي.

ذكرياتٌ لعينة لا تنام.. وها أنا أعترف مجددا بأن لحظة أمرغ فيها خدي بين خطوط يديك هي الأمان كله.. وها أنا فقدته! وجع جامح في روحي لا ينام أبدا.. أتألم في كل حنين.. ومصيبتي الكبرى أني لا زلت أعتبرك ملجأ وملاذا.. أخوض في حقيقة غفلتي وأتذكر كيف كنت ترش على حزني بضعا من حنانك فأطيب وأغفو وأنا لا أرى سوى قلبك الأخضر البريء.. كنت أعلم أنني لا أستحق السعادة أبدا.. كنت أتعجب من سر سعادتي بقربك وتعجبي الأكبر أنني كنت أتجاهل خوفي الذي أعلم تمامًا أنه حقيقيٌ جدًا.. وفورًا تيقنتُ أن البدايات السعيدة جزءٌ من خدعة كبيرة لمأساة خالدة.. مأساة نخيط فيها آلامنا بكل ما أوتينا من جلد.. وأعترف أني أعجز عن نسيانك وما زلت أنتظرك تطرق بابي مجددًا -حلمي الصغير- أعجز عن نسيان عطرك؛ بل إنه يسكن أنفاسي.. أعجز عن نسيان صوتك ولون قزحيتك وسهام نظرتك وابتسامتك، وكل الأمور الصغيرة التي لم تحدث بيننا.

أرقد خلف الباب أحيانًا أنتظرك.. خلف الباب حكايات كثيرة بيننا.. حكايات لم تحدث بعد! بها موتي وولادتي! ويقيني الكامل أنني ما زلتُ لا أقدر على لملمة شتات روحي دونك.. وتبًا لظلك اللعين!!!

تعليق عبر الفيس بوك