حب النبي صلى الله عليه وسلم

 

سالم بن نجيم البادي

وأعني بحب النبي صلى الله عليه وسلم الحُب السامي الذي لا يشبهه حب ولا يعلو عليه حب آخر هو حُب مُقدم على حب النفس والأولاد والأم والأب والزوج والأقارب والمال وحب الدنيا.

حب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحب يمنح الإنسان رقيا وسُّموا وتميزا، حب يسكن القلوب فيمنحها الرقة والرحمة والشفافية وجمال الروح ويجعل النفس تحلق في فضاءات لا حدود لها من البهجة والسرور والأمن النفسي والسلام وكل هذه المعاني وبحب النبي صلى الله عليه وسلم يكتمل الإيمان وننال لذة الإيمان وحلاوته ونمشي به على الأرض أقوياء في مُواجهة كل شيء بما في ذلك هموم ومصائب الدنيا. وبحب النبي صلى الله عليه وسلم تفرح النفس وتمتلئ سروراً والاقتداء به في كل صغيرة وكبيرة من أمور الدنيا والآخرة هو الترجمة الحقيقية للحب الصادق له صلى الله عليه وسلم. الحب ليس ادعاء ومجرد كلام وتفاخر بل هو القيام بأفعال تدل على هذا الحب.

ومن أجل حياة سعيدة بعيدة عن القلق والاكتئاب والأمراض النفسية يجب اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ومثلاً وحيداً يحتذى به، في وقت تاهت فيه النفوس وهي تبحث عن القدوة، فلا تجد إلا مزيداً من الضياع وإرهاق النفس. فمن يتخذ قدوة مغنياً أو ممثلاً أو لاعب كرة أو زعيما سياسيا أو أي نجم من النجوم بمقياس وقتنا الراهن، لا يجد ما يبحث عنه من راحة وطمأنينة وسعادة؛ حيث إن معظم أولئك طلاب دنيا وشهرة ومال ومجد زائف ونجدهم يُعانون من الاكتئاب والعلل النفسية والمعاصي والذنوب والفضائح ويعيشون حياة الضنك.

أما أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الحقيقيون، فيعيشون حياة مُمتعة طيبة حياة الهدوء والسكينة والطمأنينة والرضا، ونفوسهم زكية طاهرة هم الذين تربوا على تعاليمه صلى الله عليه وسلم فتجد الأخلاق الفاضلة والقيم الراقية والصدق في القول والإخلاص في العمل والتعامل الحسن مع الآخرين، وفعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنشئة أسر قائمة على الصلاح والتقوى، وأتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ينشرون السلام والحب بين البشر.

أريدُ التأكيد على الأخلاق والتعامل وجميل أن نصلي ونصوم ونزكي ونحج ونُؤدي كل الشعائر لكن الجميل أيضاً أن ينعكس كل ذلك على تعاملنا في هذه الحياة وعلى سلوكنا تجاه الآخرين فكم من مدعٍ حب النبي صلى الله عليه وسلم لا يظهر عليه أثر هذا الحب في الواقع والحياة، حتى إن فئة من المسلمين يسيئون كثيرا لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم بتصرفاتهم غير السوية وإن قالوا: نحن نحب محمداً صلى الله عليه وسلم، قلنا لهم: وأين الدليل؟

ومع هذا فإن أغلب المسلمين- وحتى العُصاة منهم- يحبونه ولا يرضون ولو كلمة أو إشارة تنتقص من قدره صلى الله عليه وسلم. وما يضره صلى الله عليه وسلم أن يأتي أقوام في أزمنة أو أماكن وفي مختلف العصور يسيئون إليه بكلمة أو كتاب أو مقال في جريدة أو رسوم ساخرة لأن صورته الناصعة لا يُمكن أن تؤثر فيها سخافات تصدر عن جاهل حاقد يتذرع بحرية التعبير.

إنها الحاجة الملحة إلى العودة إلى تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى بل يتلقى الأمر من الله سبحانه وتعالى العليم بما يُريح النفس البشرية وبما يسبب لها التعاسة، وهو مبعوث صلى الله عليه وسلم إلى كافة البشر، ولهذا نحن لا نشك أن في الدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، دواء لكل علل العالم المعاصر الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومشكلات البشر كلها حتى النفسية والجسدية والروحية لقد جاء صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء شاملة وافية وكاملة.

ولست أحاول هنا أن أنحاز إلى عقيدة أؤمن بها أو أن أتعصب لدين أنتمي إليه، لكنها الحقيقة الساطعة التي يشهد بها حتى أعداء الإسلام ومن لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يهمني من يُكابر يعرف الحقيقة ثم ينكرها غيرةً أو حسدًا أو تعصبًا لمُعتقد يؤمن به، وإن كان باطلاً، ولا انبهر بمن يصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أول أعظم مائة شخصية في العالم، أو أول أهم ألف شخصية؛ لأنه أكرم وأعز وأعلى، وقد زكاه الله ومدحه وكفى بالله شهيدًا.

لقد احتوته- صلى الله عليه وسلم- قلوب الملايين من المُسلمين وقد يختلف هؤلاء على قضايا كثيرة غير أنهم أبدًا يلتقون دومًا على إجلال واحترام النبي صلى الله عليه وسلم وإنني إذ أبحث معكم عن أسباب السعادة والحياة الطيبة أدعوكم إلى العيش معه صلى الله عليه وسلم في حفظ أحاديثه وقراءة سيرته، وأعجب حين أسأل كثيرا من المسلمين عن الكتاب الذي قاموا بقراءته عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو اشتروه لأبنائهم، فتجد الإجابة أن لا شيء ولا كتاب منذ أن غادروا المدرسة.

أمر مُؤسف حقًا بينما نجد آخرين لا يصبرون حتى لو شهرًا واحدًا عن العودة إلى قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، وهم يقتنون عشرات الكتب عن سيرته، وهي معين لا ينضب وسفر مشوق ومتعة لا تمل منها أبدًا، وكلما قرأت طلبت المزيد هي المتعة والأشواق والحب واللهفة والرغبة في رؤيته صلى الله عليه وسلم والأمل في شفاعته ومُرافقته في الجنة والورود على حوضه صلى الله عليه وسلم.