علمني "شاهين"

 

نجاة بنت صالح الكلبانية

علمني شاهين أنه ومهما اختلفنا في حجم ما نملك ومهما ازداد ثراؤنا أو أدقع فقرنا ومهما تعاظمت قصورنا ومهما ضاقت بيوتنا فكلنا يفر بروحه. تَصغُرُ في أعيننا الدنيا وكل مادياتها وتعظم الروح فهي الوحيدة التي لا تعوّض. فنبحث جميعاً عن مأوى يضم خوفنا فنبدو كلنا سواسية لا فرق بين من تسكن الملايين حسابه وبين من عادةً يسكنُ الصفرُ حسابه.

علمني شاهين أن الوطن لا يُمكن أن يكون وطناً إلا بتراحم أهله ببعضهم البعض. فكيف يُطلق على أي مجتمعٍ أنه مجتمعٌ إن لم يهّب الناسُ فيه لنصرة المصاب منهم أو المحتاج أو المكروب أو المتعب؟ جوهرُ المجتمع هو في اجتماع أفراده لتحقيق الصالح العام ولا يتحقق الصالح العام إن لم يساند الأفرادُ بعضهم بعضًا.

علمني شاهين أنَّ هذا الجيل هو جيل الهمة وأن ما يقوله البعض عنهم بأنهم جيلٌ هشٌ متخاذلٌ لينٌ ينعصر أمام تحديات الحياة ولا يعَوّلُ عليه ما هو إلا مبخسُ لحقهم. فقد رأينا في الميدان ومن الميدان كيف أنَّ هذا الجيل كان هو المحرك الأساسي للحملات التطوعية. يحفز ويشجع وينظم فرق العمل ويساهم وينجز ويساعد ويقدم كل ما يستطيع من وقتٍ وجهدٍ وكيف استخدم التقنية وطوّع وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة ليرسل الرسائل ويجهز العدة والعتاد وليشحذ همة أقرانه وغيرهم من أفراد المجتمع للعمل نحو تحقيق هدفٍ واحد.

علمني شاهين أن المحن كاشفاتٍ وممحصات. قد تظهر لنا أمورُ لم تكن سابقاً واضحةً للعيان. تظهر معادن النَّاس وتنكشف مخابرهم ففي السراء تنشغل ألباب الناس فلا يتمحصون بدقةٍ عن الغث وعن السمين. ولكن في المحن يصبح البصرُ حديداً فترى ما كان موجوداً ولكن منعتك غشاوة النعيم من رؤيته. وفي المحن يظهر كذلك حجم معاناة الناس وحاجتهم التي كانت تخفيها جدران البيوت. وقد تظهر كذلك هشاشة البنى التحتية وضعف مستوى الخدمات التي لم تسترعي انتباه المسؤولين بعد. وفي خضم هذا كله يتجلى لنا قول الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم".

علمني شاهين أن هذه البلاد طيبة ٌوأرضها طيبة وغرسها من أبنائها لهو بإذن الله غرسٌ صالح. هم ثروة عُمان وعمادها وفيهم تكمنُ قوتها. عُمان عظيمةٌ بشعبها، قويةٌ بصلابة أبنائها. لا تهزهم المحن ولا تكسرهم. كلما ظهرت تحديات أمامهم كانوا لها مستعدين ومواجهين مؤمنين بقدرة الله وبلطفه بهم. ولقد شدت انتباهي تغريدة إحدى الأخوات الكريمات وهي تُشير لقولٍ كانت تكرره جدتها-رحمها الله- باللهجة الصورية الجميلة "عمان مرحومة بهلها" وهي بإذن الله كذلك. فلن يُخزي الله عمان أبدا، البلد الذي حظي بشهادة رسولنا الكريم في حسن خلق أهلها. تلك الشهادة الباقية فينا إلى يوم الدين.

أتى الإعصار شاهين بدمارٍ ألمّ بالكثيرين من أبناء عُمان فتهدمت بيوتهم وضاعت أموالهم وفقدوا الكثير من ممتلكاتهم أو كلها بالنسبة للبعض ولكنه أيضاً أتى بالدروس والعبر ليس فقط لمن تأثر تأثراً مباشراً بالإعصار وإنما لنا جميعاً. والحكمة تقتضي أن نستفيد من هذه الدروس ونُحدث التغيير المطلوب لنكون أفضل في المرات القادمة ليس فقط من ناحية الاستعداد المادي لمُواجهة هذا النوع من الأنواء المناخية ولكن أيضًا على الصعيد المجتمعي عن طريق دعم شبابنا الذي أظهر مستويات عالية من الهمة والتنظيم والولاء لوطنهم ودعم الفرق الخيرية والتأسيس لثقافة التطوع من خلال تبني برامج على نطاق مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي. هناك الكثير من الأطروحات الإيجابية التي طرحها الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي وياحبذا لو تم تبنيها وتنفيذها وتطويرها.

تعليق عبر الفيس بوك