الدكتورة سعدية الريامية.. قنديل الطب المتوهج

عبدالله بن مسعود  الريامي

 

يمتاز التاريخ العماني القديم بشخصيات لنساء أبدعن في شتى المجالات، منها الاجتماعية والدينية والأدبية والعلمية، وقد توارثت الأجيال النسائية جينات التميز هذه، واستمرت المرأة العمانية بمساهماتها الفعالة في عهد النهضة الحديثة لوطننا الجميل؛ حيث شاركت شخصيات عديدة من النساء العمانيات بتثبيت أركان  النهضة الحديثة والمحافظة عليها، والدفع بها للأمام، وتعزيز محبة التراب العماني في نفوس الناشئة. 

وليس الاهتمام بيوم المرأة العمانية اهتماما عابرا، فمن يلاحظ وقفة نساء وطني المشرفة عند الأزمات ليست آخرها تحديات شاهين وزوبعته الغاشمة، يقدّر لماذا يجب أن نحتفي بالمرأة ونبارك مسيرتها وعطاءها عبر الأزمنة إنها جناح الوطن الذي لن يتقدم جسده بدون أن يكون سليما عفيا مشاركا في التحليق بالمجتمع وتنميته، إنها قلبه النابض بالحنان والعطف والمحبة والعطاء.

ولقد شاهد الجميع مواقف النساء العمانيات القديرة بكل تقدير للخروج من أزمة ما بعد شاهين.

وفي هذا المقال المتواضع أدبيا يسعدني أن أسلط الضوء على إحدى الشخصيات البارزة التي اسهمت بدور فاعل وواضح منذ بدايات النهضة العمانية، ويسرني أن أقدم نبذة عن سيرة الدكتورة/ الطبيبة سعدية بنت عامر الريامية. 

IMG-20211014-WA0092.jpg
 

ولدت الدكتورة سعدية في سلطنة زنجبار قبل الغزو الانقلابي، وحثها والدها الشيخ عامر بن سلطان الريامي باستمرار ومواصلة تعليمها، فأرسلها مع إخوتها لجمهورية مصر العربية؛ الحضن العربي الأرحب لكل العرب آنذاك، أرسلها لإكمال تعليمها المدرسي، ومن ثم الجامعي إلى أن حصلت على شهادة الطب العام من جامعة القاهرة عام ١٩٧١م. وطبعا نظرا لطول الإقامة في القاهرة والتعلم في مدارسها وجامعتها اكتسبت سعدية الريامية وأخوتها اللغة العربية السليمة تحدثا وكتابة. وبعد تخرجها من الجامعة عملت في مجال الطب العام في دولة الإمارات العربية المتحدة في المستشفى الكويتي ومستشفى راشد، واستمرت هناك  إلى عام ١٩٧٥؛ حيث قررتْ العودة لوطنها المحتاج لتخصصها وعلمها، وواصلت مهنتها في سلطنة عمان؛ حيث زاولت في البدء مهنتها في الطب العام في مستشفى سمائل ثم مستشفى السعادة،  وبعد ذلك التحقت الدكتورة سعدية بقسم أمراض النساء والولادة في مستشفى خولة.

ومن خلال عملها بمستشفى خولة أكتشفت شغفها العميق في إختصاص أمراض النساء والولادة وقد تلقتْ يداها الحانيتان مئات المواليد بين مستشفى السعادة وخولة، مبشرة عمان ببدء اشراقة فجر جديد هم أنواره وأمانه، وهم قناديل الفرح القادم فهم مواليد النهضة المباركة. وبعد سنوات من الجد والاجتهاد والصبر والعمل الدؤوب، تم ابتعاثها للدراسة في الكلية الملكية البريطانية عام ١٩٨٣م، وحصلت على شهادة الزمالة لأمراض النساء والولادة عام ١٩٨٦م. وبعد عودتها من الابتعاث إلى السلطنة، عملت أخصائية ومن ثم استشارية أولى في مجالها التخصصي. وقد أهلتها المثابرة والاهتمام بتطوير الذات علميا وطبيا  وانغماسها في اختصاصها المفضل لديها بأن تكون من المراجع الموثوقة والمعتمدة  في مجال أمراض النساء والولادة في السلطنة، ومن ثم تم تكليفها بمهام مختلفة لتطوير الرعاية والكوادر الطبية، فشمرتْ عن ساعد الجد الذي لم يتهاون أبدا ولم يهن في شتى مراحل العمر، وقامت بما يلي:

** أشرفت على تأسيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى السلطاني ومبنى العيادات الخارجية في منطقة الوطيّة.

** عملت كرئيسة قسم أمراض النساء والولادة في المستشفى السلطاني وأسست عيادات تخصصية كالعقم والطمث والأورام.  

** أسستْ لامتحانات الكلية الملكية البريطانية مركزا في عمان، كما انها أشرفت على تدريب الأطباء / الإناث  في مجال تخصصها.  

وقد عملت الدكتورة سعدية الريامي في العديد من اللجان التابعة لوزارة الصحة كما إنها قامت بالكثير من الزيارات الميدانية لمستشفيات السلطنة للإشراف على سير العمل فيها وتزويدهم بما حصلت عليه من زاد معرفي تراكم عبر مسيرتها العملية الطبية ودراستها. 

ونظمت الدكتورة سعدية الكثير من المؤتمرات وورش العمل في السلطنة في مجال أمراض النساء والولادة.

أعلم أن مقالا مختصرا كهذا لن يفي بالدور الريادي الذي قامت به الدكتورة سعدية ومن سار على نهجها في تلك الأعوام المبكرة من عمر نهضتنا الفتية آنذاك.  وبلا ريب أن سيرة الدكتورة سعدية الريامية وشخصيتها نموذج رائع لقدرات المرأة العمانية التي تمتاز بالمثابرة والإخلاص في مجالات عملها، متفانية في تقديم الخدمات التي يحتاجها المجتمع منها، مترجمة هي وأبناء جيلها من الرواد والرائدات سعي الإنسان العماني عامة، والمرأة العمانية خاصة التي سعدت بمشاركتها في تنمية مجتمعها وخدمة أبنائه، ولم تكن العمانية يوما ما متقهقرة أو ناكصة عن تلبية نداء الوطن والواجب، ونداء قائد المسيرة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله؛ بل تكاتفت مع أخيها الرجل في الرقي العلمي والمجتمعي وما زالت.                 

تعليق عبر الفيس بوك