إعصار "شاهين" والتعبئة الاجتماعية

علي الرئيسي

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

إعصار شاهين، أو العاصفة المدارية- كما تحولت لاحقًا- كان ضيفًا ثقيلًا في الفترة الماضية على السلطنة، وأدى إلى أضرار بالغة للغاية في البنية الأساسية وفي ممتلكات المواطنين والمقيمين، وبالذات في أجزاء من شمال الباطنة وجنوبها، وخاصة في ولايات الخابورة والسويق والمصنعة وصحم، وتناول عددٌ من الأصدقاء والزملاء في مقالاتهم في الصحف الآثار الاقتصادية لهذا الإعصار وكيفية التعاطي اقتصاديًا وماليًا مع آثار هذا الإعصار أوالعاصفة المدارية.

هنا محاولة لقراءة الدور الذي لعبته التعبئة الاجتماعية والأهلية، وكيفية مأسسة العمل التطوعي والأهلي، ليس في التعاطي مع الكوارث الطبيعية فحسب؛ بل في كيفية تهيئة العمل التطوعي والأهلي في مجمل عملية التنمية الاقتصادية والحفاظ وتعظيم فائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يتكامل العمل الحكومي مع العمل التطوعي والاجتماعي.

تمارس الجماعات المحلية دورًا مُهمًا وتمثل رافدًا في عملية التنمية المستدامة، وخاصة إذا كانت هذه التنمية تجعل هدفها الأساسي هو الإنسان. لقد أدت مجموعات المتطوعين أدوارًا مهمة في مساعدة العائلات؛ سواء في تنظيف البيوت من الطين أو في مساعدة الأجهزة الحكومية في شفط وتنظيف الشوارع، أو في إعادة تأهيلها، ليتمكن المواطنون من التحرك بسياراتهم أو سحب وإصلاح المركبات. هذا التكاتف والتعاطف الوطني الذي شهدته البلد خلال الأحداث من كافة فئات المجتمع، كان درسًا مهمًا حول أهمية المبادرات الفردية والجماعية والدور المهم الذي من الممكن أن يؤديه العمل التطوعي في خدمة المجتمع. وبالتأكيد حدث ذلك نتيجة للتعبئة الاجتماعية الإيجابية من قبل كثير من رواد العمل الاجتماعي والتطوعي والخيري.

إن التعبئة الاجتماعية أو تعبئة المجتمع هما مصطلحان كثيرًا ما نسمع عنهما، ويمكن تحديد الفرق الرئيسي بينهما.. أولًا: قبل تعريف المصطلحيْن، دعونا نفهم معنى كلمة تعبئة. ويمكن فهم التعبئة على أنها تنظيم مجموعات لخدمة نشطة، ويمكن تنظيم الناس لأسباب مختلفة تتراوح من الحفاظ على البيئة إلى حقوق الإنسان من خلال وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي (واتساب، انستجرام، تويتر، فيسبوك) خلال فترة إعصار شاهين دورًا محوريًا في تعبئة الناس وتوجيههم.

كيف يمكن أن نصنف هذه الجهود؟ هل هي شكل من أشكال التعبئة الاجتماعية أو تعبئة المجتمع؟ التعبئة الاجتماعية هي عندما يجتمع الأفراد في المجتمع لتحقيق هدف مُعين، ويمكن أن يشمل المجموعات المختلفة التي ترفع الوعي وتطالب بإحداث تغيير في المجتمع، كمثال موضوع حماية البيئة، في التعبئة المجتمعية يكون النطاق أصغر. أما تعبئة المجتمع، فإنها تهدف إلى رفع مستويات معيشة الناس، ويمكن أن يكون هذا في قطاعات مختلفة مثل التعليم والصحة والتلوث البيئي وما إلى ذلك.

لذلك من الضروري فهم العناصر المختلفة التي يتم دمجها في تعبئة المجتمع. ويتطلب ذلك عملًا هكذا فهم المشكلة التي يواجهها المجتمع، وإيجاد حلول فعَّالة للمشكلة، كما يتطلب ذلك إيجاد موارد وقيادة فعَّالة لكي تتمكن من تحقيق الهدف العام.

الهدف الاجتماعي من تعبئة الجماهير يتمثل في خلق أسس اجتماعية جديدة عن طريق كسر الحواجز الطبقية في المجتمع وتجسير الهوة الفاصلة بين فئات ذوي الامتيازات المهيمنة وبين الطبقات المتوسطة والفقيرة، أو بين سكان المدن والأرياف، وذلك بتشجيع الفئات المهمشة في المجتمع للعمل من أجل العدالة الاجتماعية. وخلال عملية تعبئة المجتمع تتشكل مجاميع اجتماعية بحيث يمكن للأفراد الانتماء إلى مجموعات اجتماعية عوضًا عن طبقات اجتماعية. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق انصهار هؤلاء الأشخاص في مجاميع مهنية أو اجتماعية محددة.

تتنوع الأساليب التي تنتهجها الدول من أجل إشراك الجماعات الأهلية، بما يسمى محليًا "فرق التطوع" في عملية التنمية، بدءًا بتوفير الوعاء القانوني المناسب والمُؤطر لسير هذه الجماعات في طريق تحقيق التنمية، وصولًا إلى استراتيجية متنوعة.. فالبعض يركز على البيئة، وآخرون يركزون على التقرب من المواطن والمساواة في الحقوق بينهم، إضافة إلى توعيته للمشاركة في تحقيق التنمية، وأخرى في توسيع نطاق الخدمات العامة وخلق الشراكة مع القطاع الخاص.

لذلك من الأهمية بمكان، أن تُجرى مأسسة العمل التطوعي وخلق الأطر القانونية المشجعة، وذلك بمراجعة قانون الجمعيات الاهلية والمهنية الحالي، وكذلك تشجيع وجود مجتمع مدني نشط، بحيث يكون العمل التطوعي أحد الركائز المهمة في مساعدة المجتمع في عملية التنمية المستدامة. وهذا النوع من العمل يدرب الناس ويعودهم على العمل الديمقراطي، أو "ديمقرطية المجتمع"، كما يساعد في خلق المواطنة الفعالة والمسؤولة، ويساعد في خلق قيادات كفؤة وفعالة؛ لأن العمل الجماعي والتطوعي لكي ينجح، يتطلب بالأساس، المحاسبة،الشفافية والحوكمة.

إنَّ عملية تمكين المجتمع في عملية التنمية لا ينبثق من وجهة نظر طوباوية، وإنما من نظرة مستقبلية لتراجع الدور الحكومي في مسألة الرعاية الاجتماعية.