سامح بن سالم الشكيلي
تقفُ النَّفس حائرة من هول تصرفات بعض بني البشر، مع أنَّ الفطرة الإنسانية جُبلت على حب تملك الأشياء وبلوغ الدرجات العلى، ولكن الإفراط في الشيء يفقده بريقه، لأن ذلك مدعاة إلى أن يتجه المفرط إلى فرض السيطرة على قرنائه حتى ينال مبتغاه المنشود، لذلك دعانا الإسلام إلى الوسطية والاعتدال، وهذه خاصية من خصائص الأمة الإسلامية، يقول الله سبحانه وتعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (البقرة: 143).
وفي عالمنا المُعاصر، لا شك أن المجتمعات والمؤسسات تمر بمتغيرات مختلفة ومعقدة ما يتطلب من القيادات الفاعلة الحزم في اتخاذ القرارات التي بها مصلحة الناس وتطبيقها على المعنيين بلا مداهنة أو هوادة أو استثناء، وعدم التواني في تنفيذ العقوبات الملائمة على كل من يتعدى حدود القوانين والقرارات، مسببا خللا في المنظومة المعدة وبالتالي إيقاع ذاته وغيره في مغبة المهالك.
هذه المؤسسات تعتمد اعتمادًا كليًا على مدرائها لإحداث تغيير جذري في هيكلها أو ربما إعادة هيكلتها بغية الارتقاء بها أو رفع معدل جودتها، ولذلك ما يحدث أثناء العمل من هضم حقوق بعض الموظفين يندرج ضمن التصرفات المذكورة آنفا، كما أن اعتبار السلطة بيئة خصبة لفرض قيود خارج الإطار القانوني للمؤسسة أو عمل ما ينافي العادات الإسلامية السمحة التي تربى كل منِّا عليها، هي ليست من الوسطية في شيء وإنما تعدٍ على حقوق الغير؛ سواء كان بشكل قانوني أم غير قانوني.
القيادات الحكيمة هي وحدها من تزن الأمور بميزان الحكمة قبل اتخاذ القرارات أو فرض القوانين والعقوبات، وتعتمد على من هم أكفاء في إدارة شؤونها، وتنتهج المنهج الاستباقي في وضع خططها وبرامجها، وبالتالي تصل إلى درجة عالية من المثالية في إدارة أزماتها وأحداثها الطارئة.
إنَّ ما يحدث في بعض مؤسساتنا يندى له الجبين، من وجود مديرين مستبدين ويعتمدون اعتمادا كليا على من يُؤيد آراءهم أو يلمع صورتهم من الموظفين، وهذه الفئة قليلة ولله الحمد إذا ما قارناها بعدد الكفاءات التي تدير مؤسساتنا بكل إخلاص وأمانة واقتدار.
ولا شك أن عُمان أنجبت أبطالا نبلاء، أبهروا العالم بحسن إدارتهم للأزمات والكوارث، فما حدث على الصعيد المحلي من تداعيات إعصار شاهين كشف لنا معدن العماني الأصيل، وأظهر لنا قوة وبسالة أجهزة الدولة التي تساهم في إدارة مثل هذه الحالات، كما جسد العمانيون أروع صور التلاحم والتعاضد، شادين أيادي بعضهم البعض لأجل تراب الوطن وروح المواطن، وهذا لن يتأتى لولا وجود قائد فذ حكيم، يقود المسيرة خلفاً لحكيم العرب والعالم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-.
وعمومًا، موطن الخلل يبقى وإن طغت عليه المحاسن، ومحاولة معالجة المصاب خير من انتشار العدوى وتفشيها، ولذلك نقترح لوزارة العمل أن تتولى مراجعة القوانين المتعلقة بتعيين القيادات والمديرين في جميع المؤسسات بدون استثناء، واحتضان الخبرات والكفاءات، وإيجاد فرص تدريبية عُليا للمجتهدين حسب قدراتهم ومهاراتهم، وإبعاد كل من يجهل فن الإدارة والقيادة أو يسيء استعمالها.
إن إيجاد نظام تنافسي متجدد يحيي استشعار حجم المسؤولية الملقاة على عاتق هؤلاء المديرين، يرفع شأن المؤسسة ويعلي رايتها ويحقق أهدافها ويسعد موظفيها ويحسن من مستوى خدماتها، وذلك تماشيًا مع توجهات رؤية "عمان 2040" في مجال تطبيق حوكمة المؤسسات وتهيئة الظروف الملائمة لها.