رأيتُ "الملائكة" في شمال الباطنة!

 

سالم بن نجيم البادي

ذهبت يوم الجمعة الثامن من أكتوبر 2021 إلى مُحافظة شمال الباطنة، يقودني الحماس والزهو والفخر والشوق لرؤية أبناء عُمان وهم يتوافدون جماعات وأفرادًا، لنجدة الأهل في ولايات المصنعة والسويق والخابورة، ومن شاهد ليس مثل من سمع، فالفاجعة كبيرة والخسائر فادحة، وكأن الطوفان مرَّ من هنا، أو أنه زلازل مدمر، حتى الموتى لم يسلموا فقد صارت القبور أثرًا بعد عين!

وقد رأيتُ "الملائكة" هنا في شمال الباطنة، وشعرت أن الطمأنينة تغشى المكان، ورغم الأعداد الغفيرة من الناس فإنَّ الهدوء هو السائد؛ لا أصوات ولا ضجيج، ولا صخب؛ بل السكينة والرضا والوقار والوجوه المشرقة والعمل الجاد الخالص لوجه الله تعالى ثم للوطن والناس. هنا لا يوزعون المؤن فحسب؛ بل يجسدون معاني الحب والتضامن والتكافل والتآخي والوحدة والتكاتف والتآزر والإنسانية، ولا يصلحون ما أفسده الإعصار فقط، لكنهم يقومون بجبر النفوس التي كسرها فقدان الأموال وبعض الأرواح، ويخشع القلب ويصاب البدن بقشعريرة وتدمع العيون أمام هذا المشهد المهيب والملحمة الوطنية الكبرى، وقد حضر أهل عُمان كلهم هنا.. نعم كلهم! فمن لم يحضر ببدنه فلا شك أن قلوب جميع أهل عُمان كانت هنا، وهم يتابعون تدفق هؤلاء النبلاء من كل أرجاء عُمان إلى ولايات المصنعة والسويق والخابورة.

وقد مررتُ أثناء تجوالي بين القرى والبيوت المدمرة على المواطن سعيد بن عبد الله الصالحي من منطقة بطحاء الغليل في ولاية السويق، والذي طلب مني أن أنشر حكايته وهي تشبه قصص أسر كثيرة في شمال الباطنة، وأخذني إلى مزرعته التي دمرت وقد خسر أعدادًا كبيرة من النخيل والأغنام والأبقار، وتهدم بيته وبيوت أبنائه، وفقد 300 كيس من التمر، كان قد أعدها للبيع، فضلًا عن جوازات السفر والأوراق الرسمية والنقود ومجوهرات النساء والملابس، كما تضررت الحافلة الصغيرة (باص) الذي يمتلكه، وقد جاء لسان من البحر إلى بيته ومزرعته وأخبرني أن أبناءه يصيدون السمك من المكان الذي كانت فيه المزرعة بعد أن كان البحر بعيدًا عنهم.

الرجاء من الجميع الاستمرار في مساعدة السكان في الولايات المتضررة، فإن يومًا واحدًا لا يكفي، ولربما يحتاج الأمر إلى وقت طويل، حتى يتم إصلاح كل هذا الخراب، وصدقوني إن قلت لكم لقد رأيتُ وشعرت بوجود الملائكة في شمال الباطنة، وكل من كانوا هناك من المتطوعين هم ملائكة أو أشباه الملائكة.