أليس فينا من يجبر عثرات الكرام؟

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لا يُمكن لحروف التاريخ أن تستجدى؛ لأنَّ نقشها أزلياً يحاكي ما تعيش، لا ما يملى عليها، مهما حاول من بيده القلم أن يلوّن الكلمات؛ لأنَّ اللون الزائف زائل، تغسله الحقائق بمُعطيات أفعال الرجال، وحتى إن غطت السحب ساحة حين يسوقها الخالق عزَّ وجلَّ إلى بلدٍ حلَّ به الجفاف، إلا أنها مرحلة تعاود بعدها السطوع؛ لتبعث النور والدفء والأمان، غير أن نورها سيوضح الصورة عما كانت عليه وستظهر الحقائق.

في عمودي الذي اعتدت أن أختار من خلاله موضوعاً في حب وطني، لم أجد اليوم أكثر إلحاحًا من أن أصب شعوري محاكيًا الأيام من ناحية ومذهولًا من ناحيةٍ أخرى؛ حيث إن البعض يعتز بمآثر ما يملك ويقرأ مواقف أهل السخاء والكرم والجود اللامتناهي ليطلع على بعضه  الذي يصل إلى درجة أنه قد يعطي وعن طيب خاطر كل ما يملك في سبيل بث السعادة وتضميد الجراح، غير أنه هو نفسه قد لا يُحرك ساكناً في كثيرٍ من المواقف التي يحتاج إليه فيها خاصته من النَّاس ناهيك عن العامة.

الكثير منِّا يعتقد أن البخل والتوفير توأمان مسجونان في حنايا النفس البشرية، في حين أنَّ البخل له مُحركات التعبير عن عدم الرضا في كثير من جوانب الحياة ليس إلا وذلك دفاعاً عن تلك الخصلة غير المناسبة.

وما يمر به العالم من جائحة على المستوى العالمي ومنه وطننا هو مرحلة في عُمر الزمن منها اختبار البشر في جوانب متعددة أقلها التعاون والتكافل والرحمة وإلا فكيف نتمنى الجَنَّةَ إن لم نُختبر .

كل الأفكار تتجه إلى الحكومات في مثل هذه المواقف لحل كل شيء، وهذا ليس بذلك السوء ولكن استدامة حضارات البشر يكون نجاحها الأزلي في تلك الاستدامة هو العمل الجماعي وتقديم المصالح العليا لكافة من يعيش في أي وطن على أي شيء آخر، وهنا يبدأ الاختبار بين السمة والفكر والسجية وتناضح المآثر والشح في النفس البشرية وتختلف التوجهات فهناك من يقف مع المحتاج وهناك من يعتقد أنَّ حفظه للمال حماية حقيقية له فهل الثقة بالله فينا تقدم حفظ المال على إنفاقه؟وهل أن اعتقاد الغني أنه وبتحويل أمواله إلى الخارج أو إيجاد حلول يراها هي الأفضل من كل شيء ستحمي ثرواته وأهله؟

أعتقد أنَّ التوازن في هذا الأمر  ودفء الجمع لا يعوضه شيء.

واليوم وعندما ينظر كلٍ منِّا إلى نفسه ويخرج منها كل ارتباط بالآخرين وأخطائهم وتوجهاتهم، فهل يرى نفسه الأفضل؟هل فكرنا في أسرٍ عريقةٍ كريمةٍ كانت في واجهة الحياة مُكرمة بيننا، غير أنَّ أحداث الزمن وتأثير الأحداث نال منها الكثير وهناك الكثير ممن منّ الله عليهم بالخير، فهل كان جودنا لهم كما يناسب؟ وهل لأن ثقافة الأمر الواقع علمتنا أن هناك من يجب أن يقف معهم وليس أنا وهي حقيقة مناسبة لي أنا ودوري ورؤيتي وأمنيتي من خالقي عزَّ وجلَّ.

وأخيرًا.. فإذا كان هناك اعتقاد بأنَّ الغني هو فقط من يجب أن يجبر عثرات الكرام، فنعم أمنيتي أن أسمع عنه جودًا يضاهي ويساير ما كسبه من خيرات هذا الوطن ومواطنيه، ومع ذلك أيضاً فإني لا أعلم من هو الغني الذي برمجته نفس كل إنسان منِّا، فقد تكون أنت؛ لأن مقياس الغنى عالم عظيم، ومع جلُّ ذلك- ومن وجهة نظري الشخصية- فإنني أرى أنَّ الغني الحقيقي هو من تبقى في رصيده آخر الشهر 100 ريال وجاره لا يملك شيئاً لظروف الحياة، ومع أنني على ثقةٍ مُطلقة ولا يساورني أدنى شك بأنَّ الكثيرين ساهموا وتبرعوا وقدموا وأعانوا سراً وعلانية متوكلين على الخالق عزَّ وجلَّ، ولهم عظيم الشكر والامتنان والتقدير، غير أن حجم التضحية المطلوب أكبر، ومن شريحة أوسع مع واقع الحياة هذه الأيام.