تساؤلات

 

خليفة بن مصبح الكعبي

 

لماذا تختلط حلاوة اللقاء بملح الفراق إلى أجل غير مَعلوم؟ ولماذا يخيم ظلام الليل في صحراء الأمل؟ تساؤلات يطرحها عمق الذات المنطوية على تداعيات التأمل العميق، بعد ما تبين أن العبور المجرد من وشائج التَّرابط العميق لا يعول عليه في بقاء نزر من التقارب الفكري والروحي بين الأشخاص.

هناك.. حيث تلاشت أصوات تلك الأقدام الخجولة على ذلك الممر الطويل، ثمّة تحولات يجب التسليم بها، وأخذها في عين الاعتبار حقيقةً لا تقبل الجدال والمُراجعة. حقيقةً يجب أن تستقر في عمق النفس، وتستجيب لها سائر مفردات البدن تناغمًا وتفاعلًا وسلوكًا، لم لا؟! والعابرون في دروب البشر كُثُر، واللقاءات المُتجددة مُتعددة هي الأخرى، وجلّ ما تتمخض عنه حريٌّ به أن يرافق صفير الرياح في ليلة شاتية طويلة.

كما إن الضمير المُتعب من تكرار تلك المشاهد اليومية المزيفة حري به أن يغفو على رمال النسيان أيامًا طويلة، وينثر ما تبقى بداخله على أديمها دونما تحسر أو ندم، وينسى تلك الارتدادات الواهية في سماء التَّقمص المشبوهةِ، علَّه يُعيد حيويته المفقودة منذ زمن، فهو وإن أخفق في إدراك جزء من الحقيقة إلا أنَّ الرجوع إلى الصواب أجدى من الضياع في عالم الزيف المنمق دهورًا طوال.

ألم يكن يومًا بمفرده ذلك الشعور غارقا في بحر الخيال المفرط؟ فلماذا إذن يسوغ لفكرة التناغم اللاواقعي؟ أهو قدره أن يبقى كذلك؟ أم أنَّ حجب اليقين تلاشت أمامه ليبقى هكذا سابحًا دونما مرشد أو دليل؟ أو ربما هي ضآلة الإحساس بحجم الذات مقابل تحقيق سيلٍ من الأماني الجارفة؟ ربما نعم، وربما ليس مما يدور في المُخيلة واقع في الأصل، فالانتباه إلى زوايا الحقيقة مطلوب في زمن تداخل الحقائق وملابساتها.

وعليه.. فالاحتفاظ بشيء من رونق التسامح المغلف تتطلبه النفس، لكن يبقى النأي عن مزالق التَّردي في متاهات التأمل اللامعقول أسلم وأحوط، نأي مصحوب بإدراك للذات وحدودها، لا إغراق في وحل الماضي، ولا إبحار في خضم ما هو آتٍ، أو ربما يكون، فليت كل ما يهفو إليه الفكر يصبح كالعيان يشاهد بأم العين، وليت كل أولئك العابرين يستقرون في حدود الممكن، لو كان بالإمكان حدوث كل ذلك لما حلق الفكر في سماء الخيال ساعات وساعات، ولما تلهفت تلك المشاعر لعبور حدود الممكن بغية الوصول إلى ما هو ليس ممكناً في نظر من لم يدركوا بعد أن الزمن ليس عائقًا أمام جعل اللاممكن ضمن دائرة الإمكان.

تعليق عبر الفيس بوك