تناغم الأداء المُؤسسي

حاتم الطائي

◄ تطوير الأداء المؤسسي هدف رئيسي برؤية "عُمان 2040"

◄ ضرورة مراجعة القوانين المُنظِّمة للعمل الحكومي للتخلص من السلبيات

◄ تأهيل وتدريب موظفي الدولة يسهم في تعزيز جودة الأداء

مع تَواصلِ مسيرة التنمية والبناء في كل ربوع الوطن الغالي، تتعاظمُ المسؤولياتُ، وتنشأ التحدياتُ والصعابُ، لكن في ظل إدارةٍ حكوميةٍ رشيدةٍ، تنطلق الحلولُ، وتُبدعُ الكفاءاتُ في ابتكارِ آلياتِ ووسائلِ تُسهمُ في تذليلِ كلِ ما يعترضُ هذه المسيرةَ؛ ليعم الرخاءُ ويتحققُ الازدهارُ بشتى أشكالِهِ في جميعِ قطاعاتِ ومجالاتِ العملِ.

والآن ونحن ماضون بخطى حثيثة نحو تطبيق رؤية "عُمان 2040"، تتجلى لنا بعض التحديات، وعلى رأسها الأداء المؤسسي، وهو وثيق الصلة بمحور الحوكمة في الرؤية المستقبلية، فالأداء المؤسسي والحوكمة وجهان لعملة واحدة، هي الإتقان والكفاءة في العمل، فكلاهما يسهمان في تجويد العمل عبر اعتماد منظومة إدارية رشيدة تطبق القانون وتلتزم بالمعايير الدولية المستندة على الشفافية والإدارة المحترفة للمؤسسات. ولذلك نؤكد دائمًا على أهمية تحقيق التناغم بين مؤسسات الدولة، فيما يتعلق بسرعة إنجاز المُعاملات، وتطبيق القوانين، والابتعاد عن البيروقراطية المُعطّلة للأعمال والمشروعات، فضلًا عن اعتماد أفضل المعايير المؤسساتية في الإدارة والجودة، والابتعاد عن أي أداء ارتجالي، وهو جانب نراه في بعض المؤسسات نتيجة لعدم امتلاك تلك الجهة أو غيرها لمُمكنات الإدارة الرشيدة، وفي مقدمتها وضوح الأهداف والآليات المُعينة على تحقيقها.

والحديث عن تناغم الأداء المؤسسي يقودنا بالضرورة إلى 3 إجراءات أساسية ومطلوبة، أولاً: توحيد الإجراءات الحكومية وتبسيطها، ثانياً: أتمتة العمل الحكومي وسرعة تنفيذ التحول الرقمي بنسبة 100%، وثالثًا: تدريب وتأهيل الموظفين على التعامل مع المراجعين بأسلوب وطريقة تعكسان الكفاءة والتفوق في العمل.

وفيما يتعلق بتوحيد الإجراءات الحكومية، فهذا يقتضي من مجلس عُمان مراجعة القوانين والتشريعات المُنظمة للعمل الحكومي، والاستعانة بالخبراء والمتخصصين في هذا الجانب، للاستزادة برؤاهم وأفكارهم، فلا يمكن تصوُّر إنجاز مُعاملة حكومية في جهة ما في أقل من 4 دقائق، بينما تمكث معاملة أخرى لشهور، هنا يتأكد لنا أن ثمَّة خللاً ما يُعيق إنجاز المُعاملة، وعلى رأسها الإجراءات القانونية المُتبعة. والحقُّ يقال هنا أننا على مدار السنوات القليلة المنصرمة، شاهدنا مؤسسات حققت نجاحًا كبيرًا في تجاوز هذا التحدي، من خلال وضع آليات عمل تضمن سرعة تخليص المعاملات، وذلك عبر اشتمال النظم الإلكترونية لهذه الجهات على توقيت مُحدد لإنجاز المُعاملة، وبعد انقضاء المدة الزمنية، إما أن تتحول المُعاملة إلى المدير المُباشر لمعرفة أسباب تقصير الموظف في تخليص المعاملة، أو أن يجري الموافقة التلقائية على المُعاملة، وهكذا..

الإجراء الثاني المطلوب لتعزيز المؤسساتية في العمل الحكومي، يتمثل في تنفيذ التحول الرقمي بالكامل، وهذا لا يعني فقط وجود موقع إلكتروني للجهة الحكومية، أو أن يتم تقديم الطلبات عبر الإنترنت، ولكن أيضًا أن تُجرى عمليات تحديث مُستمرة لهذه المواقع، فهل يُعقل أن يظل الموقع الإلكتروني لإحدى الوزارات دون أي تحديث يُذكر لفترة تزيد عن عام؟! والتحول الرقمي يعني كذلك أن يكون الموظف مُلمًا بكل تفاصيل النظام الإلكتروني، فالكثير من الشكاوى تشير إلى أنَّ بعض الموظفين لا يتقنون استخدام النظام الإلكتروني بما يُساعدهم على حل المشكلات، كما إنَّ بوابة إلكترونية لوزارة خدمية تُصاب بالعُطل عندما يدخل عليها عدد كبير من المتصفحين في وقت واحد!

آخر الإجراءات المقترحة هي أهمية تدريب وتأهيل موظفي الجهاز الإداري للدولة، وخاصة في الجهات الخدمية التي تتعامل مع أعداد كبيرة من المُواطنين يوميًا، فمن غير المقبول أن نجد موظفًا مُتجهمًا عابس الوجه لا يُبدي حرصًا على إنجاز المُعاملة للمواطن، أو أن يكون سبب تأخر المُعاملة أنَّ الموظف المسؤول ترك مكتبه دون أن يعلم أحدٌ أين هو، أو أن هذا الموظف غائب عن العمل أو في إجازة أو انتداب، ولم يتم تكليف زميل آخر له بتولي مسؤولياته..

وختامًا نقول إنَّ من مقتضيات الحوكمة والإدارة الرشيدة، تحقيق التناغم بين مؤسسات الدولة، وأن يكون العمل بهذه المؤسسات متوافقًا مع الرؤية العامة والأهداف الوطنية الرامية إلى الارتقاء بمستوى الخدمات، وهذا يتطلب من الجميع تضافر الجهود والعمل على ردم أيِّ فجوة بين مؤسسة وأخرى، فيتحقق التميز ويزدهر الأداء وتمضي المسيرة التنموية في طريقها نحو العُلا.