فاطمة عبدالله خليل **
"استراحة مُحارب" عبارة بات يتحفظ عليها كثيرون مُؤخراً، ومنحوها من المدلولات ما تحتمل وربما ما لا تحتمل، ولكن ثمَّة أوقات نأخذ فيها هذه الاستراحة على غير هوانا؛ فجأة تقرر أجسامنا التعطل، كالأجهزة تماماً، وتقرر منحنا إجازة إجبارية -قد تطول وتقصر ولكنها- تجبرنا على ملازمة أسرّتنا، والانزواء عن عالمنا الذي انغمسنا فيه حتى النخاع، وربما تحرمنا لذة مُزاولة أنشطة أحببناها، تجبرك على أن تستمع لذلك الصوت الخافت الذي لطالما كان يُنادي في صخب حياتك وأنت لم تلقِ له بالاً حتى أرداك طريح الفراش ليخبرك أني هنا وأنه عليك أن تستجيب ذات حين. يا له من صوت عنيف حين يغضب.!!
في تلك الأثناء تنقلب حياتك رأساً على عقب، وتكتشف ذاتك من جديد، حيث يعلو ذلك الصوت الخافت، ويسمعك حقيقة من تكون، بما يتعارض ربما مع ما أنت عليه، فتكتشف في نفسك هوايات ومواهب لم تكن تعلمها، وتكتشف أن ثمة أنشطة تزاولها لم تكن بتلك القيمة التي تمنحها وقتك وبالتالي عمرك، تعيد التفكير في كثير من الأمور، ما يفضي إلى إعادة ترتيب حياتك من جديد وترتيب علاقاتك أيضاً. وبخطٍ موازٍ لهذا كله، تعم الفوضى في روتين حياتك اليومي السابق الذي انهار على عروشه مذ قرر جسمك التعطل بطريقة أو بأخرى، ولنعتبرها فوضى خلاقة فعلياً غير تلك الخلاقة التي يزعمونها.
ثم بعد أن نعي الدرس جيداً.. وعلى غير ميعاد يغزونا الحنين لما كنَّا عليه، فنستعيد أنفسنا، ونعود للذي كنَّا، نعود للحياة، نافضين أسمال الموت وغبار الوحدة، خارجين بتجربة ثرية واكتشافات مبهرة، منطلقين بقوة أكبر من تلك التي كنَّا عليها، مُحققين الكثير في وقت قصير، ثم ندرك أنَّ الحكمة كامنة في الجودة لا الكم، فنقف على جودة إنتاجنا، نمحصه جيداً، نُعيد تقييمه مرة تلو الأخرى، ونكتشف فعلياً أننا لم نعد لما كنَّا عليه بل انطلقنا لآفاق أوسع بكثير من سابقتها، مدركين قيمة ذلك الركود الطويل الذي مررنا به، والقبوع في الصوامع، والتراجع الذي لطالما تحسرنا عليه خشية أن نكون ضيعنا الكثير، وخيفة أن نكون هدمنا كل ما بنيناه في طرفة عين، ولكننا أصبحنا نعلم علم اليقين الآن أننا كالسهام، لطالما تعثرنا في انطلاقاتنا لأننا آثرنا الحفاظ على مواقعنا طيلة الوقت، وما أن قررنا التراجع قليلاً أو أُجبرنا عليه -لا يهم- نجدنا انطلقنا بأقصى قوانا وسرعتنا لنصل إلى نطاقات شاسعة ومساحات واسعة ما كان طموحنا يرنو إليها حتى.
الحكمة من هذا.. أن ثمة صوت خفي بداخلنا ناصح أمين، فلنستمع إليه.. لنصغِ إليه جيداً في كل حين، فلولاه لا يمكننا التقدم البتة.
** كاتبة بحرينية