"قصر الخيال" على ضفاف السوادي

 

 

منى بنت راشد السنانية

 

لكل إنسان في هذه الدنيا منظرٌ طبيعي يتجول في خاطره وتداعبه الذكرى لنسج خياله لإعادة تخيلهُ وكأنَّه يراه أمام عينهُ بين حين وآخر، وفعلاً داعبني الحنين لنسج مخيلتي بمنظر خيالي أثناء ارتيادي شاطئ السوادي ونظرتي اتجاه جزرها الصغير المتوزعة على بحرها الممتد، فإذا بي أتخيل قصرا مشيدا على إحدى جزرها، وانبثاق إشعاعات ضوء القصر التي تنتشر بصورة متساوية وكأن ضوء الشمس يشرق لتعلن بداية يوم جديد، فإذا ببصري يلوح إلى مصدره.

ها هو الفضول يضرب بجذور دماغي بالتقرب إلى القصر، وفعلاً سحبتني إشعاعات القصر تلقائيا باتجاه القصر وكأنني في مدينة العجائب، وفجأةً يمتد من القصر سلم ذو درجات كأنها سيمفونية للسلم الموسيقى، وها أنا أخطو بقدمي اليمين وأقول في نفسي بسم الله وتوكلت على الله وكأنني عقدت نية زيارة القصر، ويتحرك السلم وكأنه يسحبني بكل أريحية إلى باب القصر الضخم، ومن ثم ينفتح باب القصر وإذا أنا أنطق تلقائياً سلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل القصر، وإذا النور يسطع من كل اتجاه فثريا صالة القصر تضيء في مشهد رائع لم أره في حياتي بتاتاً، وبعد عدة خطوات من المشي وفي زاوية من صالة القصر فإذا بطاولة طعام طويلة ممتدة وكأنني ملكةً نلت كل هذا فها هي الطاولة مفروشة بفراش المائدة وعليه كل ما لذ وطاب، استذكرت حينها المشهد الذي كنت أحب مشاهدتهُ كثيراً في مسلسل سالي للرسوم المتحركة والمفضل لدي منذ طفولتي، فاتجهت حينها إلى المغسلة لكي أغسل يدي وإذا ما نظرت في مرآة قلت في نفسي "اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي".

واقتربت من المائدة وجلست وسميت بالله وأكلت ما يليني وامتلأت المعدة وكأنني منذ سنين لما أتناول طعاما لذيذا قط، كان الطعام لذيذاً جداً لا أقدر حتى أصفه ولا يمكن لأي شيف في الدنيا طبخ مثله، ومن كثر حماسي نسيت قول الحمد لله، وإذا كل شيء يتلاشي وكأنني أرجع مرةً أخرى إلى شاطئ السوادي، كنت حزينة لماذا كل شيء انتهى؟ لماذا القصر اختفى؟ لماذا كل ما تخيلتهُ ذهب هباءً منثورا؟ لم أتمكن بعد من الاستمتاع بما فيه ولم يتسنى لي فرصة التجول في القصر الرائع، ماذا حدث لماذا كل شيء اختفى؟

رجعت إلى منزلي حزينةً وأتساءل في نفسي لماذا نسيج مخيلتي انقطع؟ لم أجد الجواب حتى حان وقت تناول وجبة العشاء وتعيشت، وعندما أنهيت العشاء قلت: الحمد لله الذي سقانا هذا وأطعمنا وجعلنا من المسلمين.

حينها تذكرت أنني نسيت قول الحمد لله بعد نيل شرف تناول وجبة طعام في مائدة القصر، وكأن القصر اختفى بمجرد نسيان ذكر الله وعرفت مغزى خيالي للقصر بأنه قصر مرتبط بذكر الله فلابد في كل خطوة نخطوها في حياتنا وكل أمر نقوم به منذ فتح أعيننا حتى استودعاها ليوم جديد ذكر الله في كل حين وحال.

فهل نحن فعلاً من هؤلاء الذين يربطون خطواتهم الحياتية بذكر الله؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج إعادة جدولة ليومنا من جديد، فهذا قصر الخيال فكيف بقصر الآخرة؟!

تعليق عبر الفيس بوك