بعد خسائر شركات التكنولوجيا المتجاوزة تريليون دولار خلال أسبوع واحد

"لعنة الفقاعة العقارية".. "إيفرجراند" الصينية تهز البورصات مع تفاقم الديون إلى 572 مليار دولار

بكين- الوكالات

في أسوأ أزمة مالية تشهدها الصين منذ عقود، تسبب عملاق العقارات الصيني "إيفرجراند" في بوادر أزمة مالية جديدة تهدد اقتصاد التنين، والاقتصاد العالمي، وذلك بعدما هوت أسهم الشركة بنحو 85% منذ بداية العام الجارى، وحتى مطلع هذا الأسبوع.

وتفجرت الأزمة مع تراكم ديون الشركة العقارية لقرابة 572 مليار دولار؛ أموالًا مقترضة من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى؛ منها 240 مليار دولار مستحقة فى أقل من عام واحد، وذلك على الرغم من أن الاستثمارات العقارية فى الصين زادت بنحو 15.9% خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجاري بالمقارنة مع مستوى عام ما قبل وباء كورونا.

وسعت الحكومة الصينية للسيطرة على الأزمة من خلال ضخ 14 مليار دولار فى النظام البنكى لتوفير السيولة، بينما أعلنت شركة إيفرجراند عن رهن بعض ممتلكاتها ومعداتها لتأمين سداد جزء من القروض التى بلغ متوسط سعر فائدتها 9.02%؛ حيث تعانى من أزمة سيولة تفاقمت عندما أسرع العملاء لاستعادة مقدمات حجوزات مدفوعة للشركة، فيما تظاهر الموظفون البالغ عددهم 123 ألف موظف بسبب تأخر صرف رواتبهم.

وفوجئت الأسواق العالمية مع نهاية الأسبوع الماضى بكابوس جديد اعترى الأسواق الصينية بسبب استدانة شركة إيفرجراند وتراكم ديونها وتخلفها عن السداد، علاوة على أن أعباء الدين وصلت إلى 300 مليار دولاررغم أن قيمة أصولها تبلغ 352 مليار دولار، لكنها ترتبط بنحو 128 بنكًا و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، مما يعمق أثر الأزمة على كيانات متعددة.

وذكرت وكالة بلومبرج الإخبارية، أن أسعار أسهم شركة إيفرجراند تعاني من هبوط متواصل على مدار العام الجاري لدرجة أنها خسرت فى الجلسات الخمس الأخيرة بالبورصة 40% من قيمتها، بعد أن ظهرت أزمة ديونها منذ بداية عام 2018، عندما تخلفت الشركة عن سداد ديون بأكثر من 4 مليارات دولار، ثم جاء عام كورونا وزاد الطين بلة؛ حتى إنها قدمت فى أواخر عام 2020 تخفيضات على وحداتها وعقاراتها بحوالى 30% فى محاولة لجذب العملاء.

وللشهر الثالث على التوالي يواجه الاقتصاد الصيني أزمات مالية طاحنة، فبعد خسائر شركات التكنولوجيا التي تعدت نحو تريليون دولار خلال أسبوع واحد، وما أعقبها من كوارث طبيعية مدمرة على مدن الجنوب، تواجه الصين "أضخم فقاعة اقتصادية في التاريخ"، كما يصفها وانغ جيان لين أغنى رجل في الصين. وتشير المظاهرات التي تكررت خلال الأيام الماضية في شينزين- أكبر مدينة من حيث عدد السكان جنوب غرب البلاد- وفي هونغ كونغ وعشرات المدن الأخرى، أن الصين في طريقها إلى أزمة ضخمة.

وهناك من وصف الأزمة بأن "مؤسسات الصين المالية على شفا حفرة من النار"، ويعتقد كثيرون أن آثارها ستمتد لتصل إلى الأسواق الدولية، بما يعيد للأذهان الأزمة المالية التي عشناها عام 2008، وأدت إلى إفلاس بنوك عملاقة واختفاء شركات كبرى وانهيار في بورصات الأسهم والسندات، بداية من نيويورك إلى كل أسواق العالم.

فالشركة التي تستثمر في 1300 مشروع عقاري، تقع في 280 مدينة، ولديها عملاء بالملايين، منهم مليون و500 ألف فقط ينتظرون تسليم وحداتهم العقارية غير المكتملة منذ سنوات، أوشكت على الإفلاس. وهناك 128 بنكًا و120 جهة تمويل غير مصرفي، تطالب الشركة بالأموال التي اقترضتها منهم على مدار السنوات الماضية، بينما الشركة التي ارتفعت ديونها الأكبر في تاريخ الشركات في العالم، حتى بلغت 305 مليارات دولار، لن تستطيع سداد حقوق المساهمين أو حاملي السندات أو دفع أقساط الدين التي ستحل الأحد 20 سبتمبر الجاري. وهوت أسهم الشركة إلى أقل من قيمة الاصدار عام 2009، المقدر بـ3.5 دولارات هونغ كونغ، ولا تجد من يشتري أصولها، وتنتظر تدخلا عاجلا من الدولة لإنقاذ المساهمين والمشترين الذين لن يحصلوا في أكثر التقديرات تفاؤلا، باستثناء 25% من قيمة مستحقاتهم أو يمكنهم استلام ما يزيد عن مليون وحدة، غير مكتملة البناء.

تأثر الاقتصاد الأمريكي

وكررت الشركة خطأ الشركات الأمريكية، الذي تسبب في الأزمة العقارية عام 2008؛ إذ استغلت علاقاتها بالأجهزة الحكومية والبنوك الرسمية في الحصول على تمويلات بنكية ضخمة، وتوسعت في بناء مشروعات أكثر ضخامة على شكل ناطحات سحاب وأبنية فارهة وأحياء ومدنًا جديدة، مستغلة علاقاتها مع الحكومات المحلية وقيادات في الحزب الشيوعي الصيني بتكرار الاقتراض لهذه المشروعات، بينما السوق في حقيقة الأمر يعاني من هبوط في الشراء وحرق للأسعار، الذي يقوم به بعض الموظفين  في الحكومات المحلية وأعضاء بالحزب الحاكم، ممن يتمكنون من الحصول على تسهيلات ائتمانية لحجز الوحدات وإعادة بيعها قبل تسلمها من الشركة.

وخلق هذا التلاعب "فقاعة ضخمة" وكبرت هذه الفقاعة خلال السنوات الثلاث الماضية، ورغم تحذير الخبراء من انفجارها قبل عامين من وقوعها، بعد أن زادت كميات المعروض من العقارات، وعدد الشقق الشاغرة، خاصة من الإسكان الفاخر وفوق المتوسط، عن 40% من تعدد الوحدات في البلاد، وانتشار ما يعرف بـ"مدن الأشباح" التي انتشرت بسبب زيادة المضاربات العقارية التي يشارك في ملكيتها رجال أعمال من المقربين للحزب الشيوعي الحاكم، والحكومات المحلية التي توسعت في بيع الأراضي، لتوفير السيولة المالية لميزانياتها، بعد أن أصبحت المنافسة بين  حكام الأقاليم، في مدى قدرتهم على توفير المال اللازم لمدنهم، بعيدا عن الموازنة المركزية للدولة.

لعنة الفقاعة

وتحول إفلاس مجموعة إيفر غراندي إلى كرة ثلج عملاقة نزلت من ثاني أعلى قمة اقتصادية في العالم، فأصبحت بذلك تهدد البنوك المحلية والدولية ومنها الأمريكية التي تطرح أسهمها في بورصاتها، بل والعربية حيث تشارك الصين في مشروعات عقارية ضخمة بها، كالتي تقام حاليا في مصر أو دبي وغيرهما، ممن يتشاركون مع تلك المجموعة أو البنوك الصينية الكبرى التي لن تستطع الحصول على مئات المليارات من الدولارات من الديون المتراكمة عليها. فمن المرجح إشهار إفلاس الشركة، لتجنب حالة الذعر التي أصابت الأسواق المالية، ومحاولة إنقاذ الملايين من مالكي الوحدات، من انهيار مالي، وإن كان ذلك غير مرحب به من قبل الرئيس شي جين بينغ، الذي وضع "الخطوط الحمراء الثلاثة" على شركات العقارات، بهدف تقنين نسب الائتمان والسيولة وضبط الميزانيات العمومية، وطبقها بسرعة البرق، على شركات تغولت في الفساد لسنوات.

تعليق عبر الفيس بوك