التديُّن

 

سالم بن نجيم البادي

 

فوضى التدين والتناقض والازدواجية والانتقائية والمزاجية والتشدد والتعصب أو التهاون، وهذا حال بعض الناس في علاقتهم بالدين، وهذا يقودنا إلى التساؤل عن دور الدين في حياة الناس اليومية وفي تعاملاتهم اليومية فيما بينهم، وفي الإخلاص والصدق والأمانة والبيع والشراء والأخلاق والقيم والمبادي والاحتكام إلى الدين في جميع نواحي الحياة، وهل ما زال للدين ذلك الدور العظيم في تنظيم شؤون حياة الناس؟

الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج إلى صدق وشفافية بعيدًا عن التنظير والمثالية والتمني ولا أقصد هنا تأدية الشعائر مثل الصلاة والصوم والحج والعمرة.

إن السواد الأعظم من الناس يمارسون هذه الشعائر ويلتزمون بها، لكن هل ينعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم وتعاملهم مع غيرهم وأثناء تأديتهم لأعمالهم ومع أسرهم وتجاه أوطانهم وتعاملهم مع البشر بإنسانية وشفقة ورحمة؟ وهنا لا ألومُ الدين الإسلامي الذي جاء من أجل إسعاد البشر، وهو الدين الشامل والكامل والصالح لكل زمان ومكان. وأذكرُ هنا بعض الأصناف من الناس الذين ربما فهموا الإسلام على أنه عبادات فقط وقشور ومظاهر وحتى العبادات صارت لديهم عادات متوارثة، وقد يؤدونها مسايرة للمجتمع وخوفًا من استهجان هذا المجتمع، ولا أرغب أن أرسم صورة سوداوية توحي بالغياب التام لدور الدين في حياة الناس، فإن الخير باقٍ في الناس والأخيار كثر، والمتمسكون بدينهم هُمُ الأغلبية.

فقد آثار دهشتي ذلك الشخص الذي هجم على زميل له يحتضنه، ويُعانقه ويقبله ويعاتبه على طول الغياب وعدم السؤال، لكن ما إن توارى هذا الزميل عن الأنظار حتى أخذ يغتابه ويعدد عيوبه ويصفه بأقذع الأوصاف، ورجل يحرص على أداء الصلوات في المسجد، لكنه مدمن على ذكر أعراض الناس وعوراتهم حتى اشتهر بذلك.

ورجل آخر لحيته طويلة وثوبه قصير، ولكنه لا يفتأ يسخر من الناس ويستهزئ بهم ويبحث عن عثراتهم وينشر عيوبهم، وذلك الذي يدعي التدين، لكنه متعصب تعصبًا أعمى لمذهبه، ويكاد يكفر أهل المذاهب الأخرى، ويصفهم بأهل البدع والضلال، وأنه على حق وهم على باطل!

وهذا الذي يحرص على صلاة الضحى في العمل، لكنه دائم الهروب من عمله وهو أول الخارجين من مقر العمل وآخر الداخلين إليه. ومجموعة من الرجال اعتادوا الجلوس معًا يمارسون الغيبة والنميمة حتى إذا أذن المؤذن ذهبوا إلى المسجد للصلاة في جماعة!!

ومجموعة من المُعلمين يجلسون في غرفهم يغتابون الناس وقد يغتابون زملائهم إن غابوا عنهم، كما إن مجلسهم هذا بيئة خصبة للشائعات والأقاويل والإرجاف والنقد الهدام والإحباط والسلبية والتثبيط وإذا قرع الجرس تفرقوا يعلمون الطلاب المثل والأخلاق الفاضلة.

وذلك الموظف الذي يهمل ويقصر في أداء واجبه لكنه مواظب على صيام الإثنين والخميس وهذا الذي يرسل من هاتفه المواعظ والآيات القرآنية والأحاديث النبوية ومقاطع للمشاهير من الدعاة وهو ومن هاتفه ذاته لا يترك فتاة في مواقع التواصل إلا وحاول التواصل معها يفوز مرة ويفشل مرات كثيرة.

والموظفون الذين ينافقون ويجاملون ويظهرون الود والطاعة والاحترام لمديرهم حتى إذا غابوا عنه اغتابوه وسخروا منه وتذمروا من أوامره. ونساءٌ يجتمعن في بيت إحداهن للحديث والأكل والضحك، وإذا عدن إلى بيوتهن أخذن في الغيبة والنميمة في بعضهن والغيرة والحسد والسخرية وذكر أبناء وأزواج الأخريات وإفشاء أسرار البيوت ورجل يذهب إلى الحج والعمرة كثيرًا ويدعي التقوى ولكن جل حديثه كذب، وآخر لقبه "المطوَّع"، كأنه اعتاد الغيبة والنميمة وهو صاحب 10 وجوه يستخدمها على حسب المواقف والمصالح والظروف.

وربة بيت تصلي الفرائض والنوافل والمسباح لا يُفارق يدها لكنها عصبية سريعة الانفعال سليطة اللسان دائمة الحزن كثيرة التذمر تنشر الكآبة في أرجاء البيت والجميع يخشون غضبها وزعلها وكلامها الجارح.

وأب تجده خارج البيت بشوشًا مُبتسمًا ويصبر ويسامح إن لم نقل إنه جبان وخانع، وفي البيت أسدٌ على عياله وزوجته يأمر وينهى ويضرب ويشتم وكثير الانتقاد والتبرم والشكوى ويمن على أسرته ويذكرهم دوماً بما أنفق وما أشترى حتى أجهزة التكييف والكهرباء والماء والنفقة اليومية للصغار وهم يذهبون إلى المدرسة يذكرهم بكل ذلك في الليل والنهار، ومع ذلك يعنف أولاده الذي لا يُحافظون على أداء الصلاة ويوقظهم للصلاة بطريقة لا تخلو من القسوة والوحشية.

وهذا الذي يختار من تعاليم الدين ما يوافق مزاجه وهو يفسر النصوص حسب هواه ويردد الدين يسر، وإن لنفسك عليك حق، وإن لبدنك عليك حق، وروحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة.

وأحدهم يسخر من أصحاب اللحى الطويلة والذين يلبسون الثوب القصير والملتزم عنده "متزمت ومتشدد ومصاب بعقد نفسية ووسواس قهري"، وذلك المتدين "حزين قسمات الوجه على الدوام كثير الكلام عن الخوف من الله والعقاب الشديد وعذاب القبر وحياة البرزخ والخلود في النار" ويركز على الترهيب وينسى الترغيب والأمل والرجاء!

ويضيق المقال عن ذكر المزيد من هذه الأصناف، ولا يُفهم من هذا أنَّ ضحي يزكي نفسه فقد يكون هو أحد الذين ذُكروا أعلاه.. فماذا عنك أنت؟!