المؤمن ضعيف بنفسه.. قوي بإخوانه

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يندر في هذه الحياة أن يكون الإنسان غنياً بنفسه عن الآخرين ومحتاجاً لنفسه فقط طوال مدة عيشه عليها، وبعد انتقاله منها أيضًا، وبمعنى آخر لا يستطيع الآدمي أيا كان، أن يستغني عن النَّاس وخدمتهم ورعايتهم له أبدا، مهما كانت درجته هو ومكانته، ومها كانت درجة أؤلئك الناس وصلة قرابتهم به.

فالمولود يحتاج إلى رعاية والديه بمجرد أن يرى النور وذلك حتى بعدما يكبر، ولو لم يكن لذاك المخلوق أبوين، فإن ثمة ناس ستتولى رعايته والاهتمام به كالوالدين تمامًا، وقس على ذلك كبير السن والمريض وصاحب الحاجة والرئيس والمرؤوس والحاكم والمحكوم. ومن حكمة المولى عز وجل، أن سخرنا لخدمة بعضنا، وأن نكون جنب بعض، وهكذا هو قانون الحياة الذي وضع عليها ليس بمقدور أحد تبديله وتغييره البتة.

ولما كان الأمر كذلك، فإنَّ الظروف المختلفة والأحوال السيئة بيننا، تزول بالتآزر والتعاضد والتعاون والقوة، فالضعيف يقوى بأخيه، ويمده بمدد من العون والمُساعدة والخدمة، وحتى في أصعب الأشياء قال المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ونصرته ظالماً أي أن تمنعه وتحجزه بالنصيحة وبالحكمة والموعظة الحسنة، عن الظلم لو أراد ظلم أحد، أو أخذ مال أحد بالقوة أو بغير حق.

وإذا أراد أن يضرب أحدا تمسكه وتحاول بنفسك أو بمساعدة الآخرين أن تمنعه، فبهكذا طريقة تعينه على نفسه وعلى شيطانه، وتنصره عليهما وعلى هواه.

وهذا الأمر يجب أن يتعدى أموراً كثيرة في هذه الحياة بقدر أكبر، فالفقير مثلاً حتى يتجاوز فقره ويعيش منعمًا، ينبغي الوقوف معه ونصرته من قبل المجتمع والحكومة، وتقديمه في ذلك على الآخرين من خارج نطاق وحدود الوطن، وحكومتنا الرشيدة في ذلك غير مقصرة، لكن زيادة تلك الحقوق له بين الفينة والأخرى أمر مهم.

فمثلاً راتب الضمان الاجتماعي إن كان ثمانين ريالا للفرد، ينبغي زيادته إلى مائتي ريال مثلاً، لأنه بحسب علمي هناك من ليس معه منزل ملك، فتجده مستأجرًا مسكناً من تلك الثمانين ريالاً، ناهيك عن أكله وشربه وتنقله ومجمل مصاريفه.

والإنسان المبتعد عن المولى عز وجل، ينبغي زيارته من الصالحين والمتمرسين في مجال الدعوة عدة مرات، حتى يكون قوياً بإخوانه، على أن تكون الزيارة الأولى مثلا من أجل السلام والاطمئنان عليه، وإشاعة الألفة والمحبة بين الزائر والمزور، وليس بالضرورة يكون في أولها أي الزيارة الأولى نصح وإرشاد وتوجيه.

على أن يهدى للمزور هدية من الزائرين بحسب أحواله، فمثلاً الفقير المبتعد عن الله حينما يراد زيارته، يأخذ الزائرون معهم مبلغا بسيطا أو راشن يتمثل في مؤونة منوعة، دليلا وتعبيرا عن إحساسنا وشعورنا به، مع إظهار البشاشة والابتسامة عند لقائه والدعاء له في ظهر الغيب بأن يصلح الله أحواله، والحزن على حاله، وما آلت إليه ظروفه، والتأثر قلبياً بما هو فيه، حتى عندما ينظر الله جلَّ جلاله إلى قلوبنا، يجد فيها همٌّ وحرقة على ذاك المبتعد عن الله.

فمَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ، ولا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ أبدا، وكما قال الإمام الشافعي، ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ، ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕُ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞٌ ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ، ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃحد، ﻣا ﺩمت ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳـﺎﻡ ﺗاﺭﺍﺕُ، ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ، ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟات، ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣاتت  ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ، ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨَّﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ.

وفي هذا المقام فإني أشيدُ بمبادرة أهل محافظة ظفار وجمعهم نصف مليون ريال عُماني للوفاء بديْن شابين أخوين من أبنائها، أودعوا في السجن بسبب تراكم الديون عليهم وخسارتهم بسبب تأثر تجارتهم، فهذا الفعل يندرج في إطار، المؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.

فلولا التلاحم المجتمعي والتآزر الذي دلَّ على النخوة والشهامة والدين والرجولة، لربما تأزمت الأمور.

وفي هذا الإطار فإننا نأمل أن تكون مثل هذه المبادرات في جميع محافظات السلطنة حتى لا يبقى سجين ولا محتاج ولا فقير، فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه، ومن فرَّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا، فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

هذا ونفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي هو حبيبنا وقرة أعيننا ونور أبصارنا وصفوة قلوبنا، والله يحفظ الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك