"على قدر أهل العزم..."

 

ناصف العمري

nasaf.amri@gmail.com

 

يقول شاعر العرب المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ // وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها // وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

بالفعل الإنسان بلا عزيمة؛ كالجسد بلا روح! وفي علم الاستراتيجيات يتم التحدث بإسهاب عن أهمية التخطيط وإدارة المشاريع؛ في حين يتم تجاهل دور الإرادة والعزيمة رغم أنهما فكر وروح النجاح في الحياة البشرية. وهما المعادلة الحقيقية للوصول إلى تحقيق الأهداف على المستوى الشخصي والقومي.

فالإرادة هي التي تمثل الفكر والتصميم الواعي على تحقيق هدف معين يخدم مصلحة الإنسان ويؤدي إلى ازدهاره وسعادته. والعزيمة هي الروح التي لا تستسلم مهما كانت الصعوبات أوالمعوقات لتنفيذ الإرادة التي تعهد الإنسان بإتمامها.

ويشكل مفهوما الإرادة والعزيمة عناصر متلازمة للبشر مرتبطة بقراراتهم وأفعالهم والتي ترسم مسارهم وتبني صورتهم المعنوية والمادية. وكلما كانت العزيمة لدى شخص أو شعب ما مرتفعة أكثر من غيرهم تكون علامة التفوق والصدارة لديهم عالية على جميع المستويات.

عندما تسمع بفشل أي مشروع لأسباب غير مقنعة ومتكررة مع كل إخفاق فإنك تصاب بنوع من الإحباط وخيبة الأمل لأنَّ الفشل نتيجة سيئة. وللأسف الشديد أصبحت هذه النتيجة متقبلة لدى البعض ظاهريا وتمضي كما مضى غيرها من الخيبات؛ لأن الأعذار لتغطية الفشل تكون جاهزة مسبقاً مع التخطيط للعمل وتغيب العزيمة ويحضر التهاون والتردد مما يُؤدي إلى عدم إنجاز المشاريع.

من جملة هذه المبررات قلة الموارد المالية؛ ضعف الإدارة وعوامل خارجية. كل هذه الأعذار وغيرها تواجه جميع المشاريع في دول العالم ولكن الفرق هنا هو في الكادر البشري الذي يملك الإرادة والعزيمة لتنفيذ ما تعهد به ويعرف مسبقاً ما سيواجه؛ لذلك يكون قادرا على تخطي جميع التحديات والمشاكل مستندا إلى قوة الإرادة والعزيمة والتي تدفعه بثبات وإيمان لتحقيق ما يطمح إليه.

وهنا أريد أن أطلعكم على هذه الواقعة من الماضي القريب لتوضيح الفكرة:

أثناء حرب الخليج الثانية قام التحالف الدولي بقصف وتدمير 120 جسرًا في العراق تربط المدن على ضفاف نهري دجلة والفرات، كما قام بتدمير العديد من محطات الكهرباء في عموم البلاد للقضاء على البنية التحتية وإعادة العراق الى العصر الحجري.

رغم كل هذا الدمار الكبير قامت الحكومة العراقية حينها بدعوة العلماء والمهندسين العراقيين لإعداد مشروع متكامل لإعادة بناء جميع هذه الجسور ومحطات الكهرباء؛ وتم الاتفاق والتعهد بإعادتها بتضافر جميع الجهات العسكرية والمدنية خلال مدة أقصاها 6 أشهر فقط. وبالفعل تم إنجاز المهمة بأفضل صورة مما كانت عليه قبل التدمير؛ حيث تم بناء الجسر ذي الطابقين؛ ليكون صرحا هندسيا يعكس روح التحدي رغم الحصار واستمرار الحرب على البلاد.

يجب الاعتراف بشيء مهم جدًا، وهو أنَّ الإنسان يستطيع فعل كل شيء مكنه الله منه إذا توفرت لديه معادلة النجاح "الإرادة والعزيمة". ومن الرائع أن يتمتع الإنسان بالثقة بقدراته وأن يكرس جميع طاقاته للنجاح فهو يؤدي إلى الفخر والاعتزاز؛ كما يعزز الحوافز ويرفع طاقة الإصرار لديه لتحقيق المزيد بشغف لا ينطفئ.

ومن هنا يجب الحرص على التحلي بالإرادة والعزيمة واستخدام الأدوات الصحيحة في العمل من وضع الأهداف المناسبة مع التخطيط السليم والتنفيذ المتقن حتى نصل إلى النتيجة المثالية.

في الختام.. يجب علينا إدراك حقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على الموارد المادية وحدها من دون وجود إرادة وعزيمة صادقة من أجل تحقيق الأهداف، وعلينا غرس هذه المبادئ في أجيال المستقبل وصناع الحضارة، حتى نواصل طريقنا ونهضتنا المتجددة ونضع أمتنا في مقامها الذي تستحقه بين الأمم.

تعليق عبر الفيس بوك