المنذر بن محمد بن سالم العلوي
ممارسو الكاراتيه عندما يتعلمون حركات جديدة يقومون بتكرارها لفترات مستمرة وقد تكون في كل درس، وهذا التكرار يُوسع المدارك في ما تعلموه، يستغرب من يرى ذلك كيف لا يملون من تكرار ما يعرفونه؟، لذلك لا يشعر بالفائدة إلا من يمارس الكاراتيه بالفعل .
فالنظر للا شيء بشكل عادي يولد لدينا معرفة سطحية، ولكن تكرار الكاتا (القتال الوهمي) يوسع المدارك ويجعل لك فهماً أعمق في كل مرة تكرر فيها الحركة، ففي أول التطبيق يكون الذهن منشغلا بالحفظ، وفي الثانية لربما يكون في مُتابعة الحفظ والقليل من الفهم، ولكن في التكرارات المستمرة يصل ممارس الكاراتيه إلى فهم وتعمق في الفهم، ويزيد في أداء السرعة والقوة، إلى أن يصل للإتقان، فوصوله للإتقان لا يكمن فقط في الشكل الخارجي للأداء الحركي، بل يتمركز في فهم كل حركة بعمق، حتى إنه عندما يؤدي كل أسلوب يستخدم التنفس المناسب مع كل حركة، وتعابير الوجهة الموافقة للأداء، وحركات اليد والرجل بدرجات الزوايا الصحيحة، أي أنَّ التكرار والتعمق في الحركة يجعلنا نصل إلى تفاصيل لم نتوقع الوصول لها في بداية النظر للشيء بطريقة عامة .
نستفيد من ذلك، أنه يجب علينا النظر إلى أنفسنا بعمق، والنظر للأشياء التي تعلمناها ونعرفها لنرى التفاصيل المتجوهرة في ما نعرفه، لنستفيد منها استفادة حياتية كاملة، وعلينا أيضاً أخذ أي شيء جديد بتعمق، وفهم ما نحتاجه منه دون النظر للشكليات الخارجية، فالجواهر والمعادن الثمينة تكون دائماً في الأعماق، فمعرفتنا بذواتنا تعطينا رؤية مختلفة للحياة ولكل شيء، فإن كان الظاهر لامعاً، فلا يعني أن الباطن ذو محتوى مفيد وقوي، وكما قال القدماء "ليس كل ما يلمع ذهباً".
وها هي الكاراتيه تعلمنا كيفية الاعتناء بذواتنا وأعماقنا لنصل إلى كنوز الذات ونمضي قدماً في ما نريد تحقيقه.