نافذة الإهمال

شهاب الريامي

 

قد تواجهك أمورٌ صعبة أحياناً وتشعر أنك تخفق في التعامل معها؛ كالجهل بالأمور وعدم تقبل آراء الآخرين وعدم القدرة على الانضباط في تحقيق الأعمال، ويعتريك الغموض عند النظر عبر نافذة العقل في إدراك الملكات والمواهب التي تمتلكها والتي أوزعها الله جل في علاه في مملكة روحك العظيمة وعبقرية العقل البشري في صناعة وإعمار الأرض، إن عالمنا المكتظ بالوسائل الاجتماعية يزحف بجيوش من المُلهيات والمُشتتات فتغزونا لتشل قدراتك على التركيز حتى لا تحقق قدرا كبيرا مهماً من الإنجاز في الحياة.

ولا غرابة أن بعض الآراء ممن حولك قد تزعجك؛ حيث إنَّ تلك الأفكار التي نستحضرها لا تترابط مع رغبة عقولنا في التكييف على الراحة وعدم بذل الجهد لتتحرك نحو الهدف ورفع قيمنا العليا إلا متناهية في بحر الاحتمالات الرائعة لتوليد الأفكار الإبداعية الخلاقة فتستكين النفس إلى الضعف والخور عند عتبة الإهمال تجاه الأمور.

أجريتُ تجربة في علم النفس الإنساني  لسبر الكيفية التي يعمل عليها العقل البشري في طرق التفكير وفي الغالب تأخذ طابعاً غير مفهوم في البداية، وكيف ترى نفسك وكيف يراك الآخرون قام مجموعة من الرسامين المحترفين برسم مجموعة من المتطوعين وفقًا لأوصافهم لأنفسهم وفقط من دون النظر لأنفسهم، وتم التواصل مع أشخاص آخرين لمعرفة التفاصيل لرسمة صورة لهم، المدهش أن النتيجة جاءت غريبة أن الصورة التي يصفها الآخرون والغرباء تكون أفضل بكثير من الصورة التي يزعمون أنها تمثلهم، حيث وصف المتطوعون أنفسهم بالطريقة التي يركزون على الجوانب السلبية والعيوب ويتجاهلون الجوانب المشرقة لهم بينما يراهم الغرباء والآخرون دون أي تحيز إلى جانب العيوب فهم يبصرون الجوانب المشرقة لهم بالشكل الكامل وأكثر إيجابية!

وكما هو تأثير ميديشي (Medici Effect) لرائد الأعمال السويدي "فرانس يوهانسون"؛ فالعقل لا يخزن الأفكار كالقاموس التلقائي، إنما يتكامل مع الكلمات والأفكار وناتج السلوك من مواقف معينة حيث إن مثال كلمة مدرسة لا تندرج في العقل البشري تحت حرف (م) إنما لها ارتباط عصبي في العقل بسبب المواقف التي رأيتها أو صادفتها هناك في حدث ما، لذلك فنستغرب أحياناً كيف تنجذب الصورة الذهنية مع المشاعر لاسترجاع  موقف ما، ومن العجيب أنك تجبر عقلك الواعي أحياناً بإفراط على تقبل فكرة أنك لا تمتلك قدرة ولا طاقة  وتغدق على نفسك بالتكرار اللفظي والتخيلي أنك لا تستطيع ولا تتحمل... وتذهب إلى تقبل رأي الأغلبية التي تؤيد عدم  رغبتك في خلع عباءة الكسل والإهمال ومتمسك بالانحياز التأييدي والمنطقي لدعم الفكرة التي تقبع في داخل عقلك (لفهم موضوع الانحياز في الرأي كنت قد تحدثت عنه في المقال السابق بعنوان "مفارقة الرأي").

وقد أكد الراحل ستيف جوبز أنَّ المواقف والتجارب الجديدة لها القدرة على أن تنشئ روابط جديدة خلاّقة في صناعة روابط عصيبة ملهمة مولدة للإبداع،  إن تقبل المكوث في دائرة الكسل والإهمال يؤذي نفسك الطيبة ويُرهق ذاتك النقية ويُسبب لك إجهاداً وعبئاً ثقيلا على مشاعرك، كن صريحاً وواقعيا مع احتياجات ذاتك لا تتفنن في لوي النصوص والأحداث وتجامل وتخدع نفسك ابتعد عمَّا يؤذيك ويسبب لك خدوشاً في جدران القلب وندوبا في أروقة العقل!

اعقل نفسك على اكتشاف عالم جديد في بحر المواهب والمهارات في إتقان الأعمال الجديدة لك ولمن حولك، ابحث عن كل الاحتمالات البسيطة والقريبة منك حتى تتعرف على منبع القيمة الحقيقة التي خلقت من أجلها، استثمر كل الدقائق الـ1440 التي تملكها في يومك، انوي واستحضر اللحظة المدهشة التي تتنفس فيها طعم العافية والخيرات والنعم الإلهية، حتى  يتجلى لك عطايا الرب في بصائر العلم والنور، لا تستكن إلى أيقونة الراحة المطلقة والنوم والسهر واللهو والترفيه الزائد الذي لا فائدة فيه والابتعاد عن الغوص في كنوز القرآن كلام الرب جلَّ جلاله فتفوتك الدرر المكنونة في بهجة الحياة المأمولة، فذلك يفقدك حقاً بوصلة الوعي وعدم الاتزان الحياتي ويقذفك في بحر الظلمات حيث لا قعر لبحر اللذائذ ولا شبع من فرط الغرائب! فلعمري إن انطلاقة الوعي والعزيمة لصلاة الفجر هي خير دافع لعمارة القلب وإلهام الروح وتنشيط الجسم الخرب. وقد رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ".

إنَّ الاجتهاد والإخلاص في قواعد الحياة الطيبة هو أصل البركة وحبل التوفيق للوصول إلى مرضاة الرب جلَّ في علاه لتسير طرائق الرشد وجعلك مباركاً أينما كنت، في تجربة الرسم السابقة تنبأ أن هناك الكثير من الطاقات الكامنة بداخلك لازالت خامدة غير نشطة طالما إنك تنظر إلى نفسك بنظرة تعتريها العيوب وتسكنها الظنون، إنِّك تعطل قدرات هائلة بداخلك قد تصنع مجداً يفخر به أبناؤك ويتباهى به أسلافك ويقتدي بها أتباعك.

أعقد النية من اليوم أن تتعلم شيئاً ما جديدا كمهارة جديدة وتركز على جانب أنت مبدع فيه وتعمل فيه بشغف وحب حقيقي، وسع آفاق المعرفة والإدراك رافق مطالعة فن إدارة الحياة في كتب الهمم والعزائم حتى تكتمل الصورة لديك في البناء والتعمير في التشجيع والإلهام في الإصلاح والترميم، في الفن، والأدب، والتاريخ، والمنطق، والصلوات، والعبادات.. استشعر وعيك طوره بالقراءة والتعلم والتأمل في الحياة، أنصت لصوتك الداخلي بثقة لا تسلم عقلك لأي شخص يملأه بما يشاء. فلا وجود للشيخوخة إلا في الأفكار البالية الرثة في وعاء العقل، لا يشيخ العقل مع الوقت إنما ينضج ويتمدد بالعلم والعمل والاجتهاد في صناعة بصمة رائعة في هذا الكون الفسيح.

إنَّ حجم الاهتمام المعرفي في السابق على صعوبة الوسائل المتاحة آنذاك من مصنفات النفيس والجاحظ وأبي بكر محمد بن زكريا الرازي وجابر بن حيان الذي جاء في "الأعلام" للزركلي- الذي يُنسب له ما يقرب 500 كتاب- وأسماء بنت أسد بن الفرات، وزينب محمد الغزالي، وفاطمة البغدادية، وليلى بختياري (قامت ليلى بترجمة القرآن الكريم، وبذلك أصبحت أول سيدة أمريكية تقوم بترجمته، قامت بشرح وتفسير المعاني الصعبة أزالت الغموض عنها، استحدثت تفسيرا جديدا لكلمة ضرب بمعنى الذهاب بعيدًا بدلاً من معناها العادي، يدرس تفسيرها في العديد من الجامعات والمساجد، وتم تبنيها على يد الأمير الأردني غازي بن محمد). وكثير من الأسماء بين الماضي والحاضر، أولئك همم تعانق السماء وعزيمة تشق الجبال لا مكان لديهم لإضاعة الوقت وإزهاق الفرص.

إذا هل نحن نستطيع أن نؤثر ونغير عاداتنا وأفكارنا؟! صدقني أنت تملك خيار التعامل معها كلها ولوحدك، هي أشبه بالإعلانات التي تظهر أحياناً على اليوتيوب، يمكنك أن تتخطاهم بعد أول خمس ثواني من التعرف عليهم، وتواصل تخطيهم في كل مرة تظهر لك ويمكن الاستغناء عنها بالاشتراك في باقة ما بما يعادلها في الجانب الإنساني الاشتراك في دورة وطلب استشارة لترفع بها شأنك وتعزز تمكينك في مجال ما والآن نحن في عصر وفرة معلوماتية مجانية ضخمة لا تقدر بثمن!

تذكر دائماً عندما تخطئ أو تُخفق لا بأس أن تخطئ أنت بشر، فقط لا تتوقف عن محاولة العبور وتخطي ما يحبطك ويثبط عزيمة قلبك، اعد صياغة الخطة حول المشكلة إلى تحدي وحول التحدي إلى مشروع والأخير له ثوابت بداية ونهاية مما يعطيك الرؤية والوضوح فيما تعمل فيه وما تريد تحقيقه وفي زمن محدد فإنك تحاكي طريقة العمل بمبدأ سمارت لتحقيق الأهداف "S.M.A.R.T"؛ حيث إنك عندما تراجع نفسك وتنظر بارتفاع مختلف فإنك ترى الأمور بوضوح وجمال أكثر مثل النظر من الطائرة إلى المدن والطبيعة من أعلى نراها أكثر تناغما وانسجاما في كل التفاصيل من الأعلى. قرر أن تغلق نافذة الإهمال والكسل بالنظر العميق تجاه الأمور حتى تبصر حديقة الأمل وإشراقة العمل وبركة الخالق في بصيرة العقل.

يقول مصطفى صادق الرافعي: إذا لم تزد على الحياة شيئاً تكن أنت زائداً عليها! اترك بصمتك في العالم اجعله مكانا أفضل اترك أثرا حميداً خلاّقا أورثهم شيئاً قيماً، ارسم بسمة أمل وسجل حضورك في الحياة وقد أضفت لها شيئاً رائعاً!

تعليق عبر الفيس بوك