هذه قصتي!

 

مدرين المكتومية

في حياة كل إنسان سرٌ خاصٌ به، لن يبوح بمكنونه لكائنٍ من كان، إلى يوم الدين، هكذا أعتقدُ، وهكذا أرى العالم من حولي، ليس بالضرورة لأنَّ السر خطير، لكن لأنَّ الإنسان جُبل على تحمل المشاق (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وهذه القدرة على التحمل تشتمل في الوقت عينه على الرغبة في الاحتفاظ بالأسرار، ربما لخشية أن يعلم بها الآخرون، أو لأنها تُظهر ضعفهم البشري، أو لربما أنَّ هذه الأسرار تزيد الهموم والأوجاع..

ومن هنا كان لكل منِّا قصته الخاصة، وسره الحصري، وحياته الخصوصية، ورغباته التي لا يعلم عنها أحد سواه، وتوجهاته المختلفة، وتطلعاته المُغايرة.. لكل منِّا شيء ما يخفيه دون أن يظهره للآخر؛ حزن خافٍ وراء ابتسامة ظاهرية.. ألمٌ يعتصر النفس يتوارى وراء ما يعتقد الآخرون أنها قوة، وهناك نفس بشرية تدير كل هذه التفاصيل، نفس وروح تقلب الموازين ما بين السعادة والفرح، بين الصحة والعافية، بين أن تكون أنت كما يراك الآخر دائمًا، وأن تعرّيك أمام من اعتاد على أن يرى منك ما تريد هو أن يراه!

نعيش في هذه الحياة دون أي قدرة لنا على إيقاف ما يحدث خلالها، في كل يوم وساعة وثانية، لا يُمكن أن نوقف الموت، ولا الكوارث، ولا يُمكن أن نوقف كل ما يدور من حولنا، ففي الحياة مُسلمات كالموت والميلاد تمامًا، لا يُمكن التفاوض معها أو تغيرها مهما حاولنا ذلك.

لكن في المُقابل، جميعنا يمتلك شيئاً واحدا، وهو شعورنا الداخلي، قدرتنا على التحكم في ذواتنا، استطاعتنا ممارسة عكس ما نعيشه، قادرون على فرض السعادة على أنفسنا فرضًا واجبًا، ونصنع الفرح لمن حولنا، فلا يدري أحد منِّا أي شيء عن زميل العمل الذي يجلس بالقرب من مكتبه، ولا يدري عن جاره، ولا يعلم كم فشل زميل له في القاعة لينجح ويتجاوز الفصل الدراسي! إننا لا ندري قدر المُعاناة التي قد يعيشها الناس من حولنا؛ لذلك لا يُمكننا إلا أن نصنع الفرح للآخرين، لا يجب أن نكون مصدر تعاسة وحزن وضيق لهم، علينا أن نسعى لأن نقدم هذا الفرح بكل ما نملك، حتى وإن كسانا الحزن؛ فلابُد لليل أن ينجلي ولابُد للقيد أن ينكسر..

إنني في هذه السطور أتحدث- لكل من يقرأ كلماتي- وأنا أشعر أني قريبة من كل شخص بما يكفي كي يسمعني ويقتنع بما أقول.. إننا كبشر لا نملك سوى الطاقة الكامنة في دواخلنا، ونحن من يمكن أن نحول هذه الطاقة إلى فرح أو حزن، نحن من نتحكم بها، لكننا يجب أن نؤمن بأنفسنا، ونؤمن أن هناك أُناس مثلنا هم بحاجة للفرح أكثر مما نحن بحاجة له، صدقوني لو قلت لكم: إنني أدرك تماماً حجم المأساة التي قد يعيشها شخص منِّا، ولكنني أيضًا أدرك تماماً أن هناك شخص منا يعيش بأقسى مما نحن فيه، يمر بجانبنا دون تذمر، يبتسم في وجوه العابرين، ويصنع لهم يومهم، هذا الشخص يعلم جيدا أن مفتاح السعادة يمتلكه الجميع، ولكن بحاجة لمن يمكنه أن يميز أي باب يمكن فتحه.

أكتب هذا المقال بعد أيام من اليأس والكآبة، أوقات مرَّت عليّ خلال الأسابيع الماضية، شعرتُ فيها بأنني لم ولن أمرَّ بهكذا حالة في حياتي بأكملها، حتى اكتشفت أنني بالتأكيد أفضل بكثير من غيري، وأن خسارتي بالتأكيد لن تكون بحجم خسارات الكثيرين؛ فهناك خسارات نحزن لأجلها كثيرًا، ولو بكيناها طوال حياتنا لن نوفيها حقها. لكنني اكتشفت أنَّ البكاء لن يعيدها، في حين أن الدعاء الصادق أوقع وأكثر تأثيرًا، إلى جانب الإيمان الداخلي بأنَّ هذه الخسارة بالنسبة لنا، هي راحة وأمان للآخرين، وخاصة الراحلين عنَّا.

يجب أن نبدأ دائمًا من حيث نتوقف، نبدأ ولكن يجب أن تكون بدايتنا قوية وقوية جدًا، بداية لا يُمكن أن توقفنا ولا تكسرنا ولا تبعثرنا، بداية نرى فيها أنفسنا بشخصية جديدة، ملامح أكثر قوة وصلابة، أجساد أكثر تماسك وأكثر رغبة بالحياة، عقل أكثر نضجاً، ولسان أكثر لباقة، فنحن في نهاية المطاف يجب علينا أن نبتسم ونفتح للحياة نوافذ الفرح، ولا نسمح لأنفسنا بالبقاء في الظلام؛ لأننا لن نجد أبدًا من يخرجنا من الظلام للنور إلا أنفسنا..

آن الأوان كي نبعث برسائل الحب والطمأنينة والفرح لأشخاص فقدوا الأمل، وهم بحاجة لمن ينتشلهم من قاع الإحباط واليأس إلى سطح الأمل والتفاؤل.. فكونوا دائمًا هذا النوع من البشر، ممن ينتشلون الآخرين ويصنعون الفرح لغيرهم، فكل فرح تقدمه لغيرك هو مشروع فرح ستجني أرباحه ذات يوم.