نحن وإفريقيا.. الواقع والمُتاح

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

 

يتهافتُ العالم اليوم على قارة إفريقيا لما تمتلكه من ثروات طبيعية هائلة جعلتها وكأنها خزان الأرض والعباد وكهبة ربانية دائمة لا تعرف النقص أو النضوب، وهذا التهافت اليوم ليس سوى اتساع معرفة العالم، واكتشافه لهذه القارة البكر المُتجددة في كل شيء؛ حيث المياه الوفيرة من الأنهار العملاقة، والبحيرات الشاسعة والمعادن النفيسة والأرض الخصبة، والغطاء النباتي المُتنوع والطقس المثالي.

قارة إفريقيا أرض جاذبة ومُغرية إغراء متجددا، لهذا حرص الغرب الاستعماري على احتلالها لعقود خلت ثم الخروج منها صوريًا بعد تمكين أدواته ونفوذه فيها؛ لحماية مصالحه وضمان ديمومتها، ثم انتهج استراتيجية الإفقار المنظم لبلدانها، والعبث باستقرارها؛ لإبعاد الطامعين والمكتشفين لهذه القارة الكنز.

ولم يكتفِ الغرب الاستعماري بجعل قارة إفريقيا حديقة خلفية له، ومعينا لا ينضب لخزائنه؛ بل تعدى ذلك الأمر كثيرًا ليجعلها حقلًا لتجاربه البشعة في التفجيرات النووية والأسلحة المُشعة، وكما فعلت فرنسا بمنطقة رقان بجنوب الجزائر عامي 1960 و1961. وكذلك تجارب نشر وباء الإيدز في زائير- الكونجو حاليًا- والأمطار الحمضية في الكاميرون مطلع الثمانينيات من القرن المُنصرم.

سياسات الغرب لنزع الاستقرار عن إفريقيا بقصد إبقاء أقطارها تحت الوصاية الدائمة له، ومنظماته الناعمة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إضافة إلى تهجير العقول الأفريقية، والعمالة الرخيصة لتكون في خدمة الاقتصادات الغربية، ورهن تنميته الشاملة بوجهيها العلمي والبشري.

ما يهمني في هذا المقال هو التركيز- ولو جزئيًا- على إهمالنا نحن العُمانيين لإفريقيا وتنكرنا لها، وكأننا انسلخنا من أنفسنا وذواتنا وتاريخنا وهويتنا الحضارية والسياسية، والتي كانت ذات يوم محط فخر لنا ولجميع العرب، وما يزال صداها وآثارها شامخة في العقول والوجدان، وشاخصة للأبصار في كل ركن من أركان شرق ووسط إفريقيا.

العالم اليوم يتهافت على إفريقيا، ويُجاهد الكبار لترسيخ عُرى مصالح وبناء قواسم مشتركة مع هذه القارة الكنز ونحن في المُقابل تنكرنا لكل المنجزات والأواصر التاريخية والاجتماعية، والآثار الناطقة والتي تستجدي عودتنا بمُغريات يحلم بها جميع مغامري اليوم ونحن نقابلها بصد وتنكر غير مُبرر ولا مفهوم!

في إفريقيا اليوم ملايين من العُمانيين ومن ذوي الأصول العُمانية، وبقليل من الانفتاح عليهم والاهتمام بهم، وتفهم حاجاتهم يُمكننا بجرة قلم إعادة إمبراطوريتنا بمنطق العصر، وبمقتضيات السياسة وتوظيف نفوذنا مجددًا كأقوى قوة ناعمة في القارة.

كان يمكننا ومنذ فجر النهضة المباركة عام 1970 أن نضع خطة استراتيجية لاسترداد مكانتنا في قارة إفريقيا بالتدريج، ووفق الإمكانات المادية والمناخ السياسي المُتاح، على الأقل عبر التواجد الدبلوماسي كخطوة أولى، تليها خطوات تنموية مشتركة وفق الهامش المُتاح، فخطوة كهذه برغم بساطتها وتدني كلفتها حينها كانت كفيلة بتوفير مناخ تعاون، وبناء ثقة مع الأقطار والأقوام التي كانت تخضع لنفوذنا ومازالت تخضع لثقافتنا وتكتنز الكثير من الحب والتقدير لنا.

قارة إفريقيا اليوم- وبالنسبة للسلطنة بالتحديد- لا تمثل أي عبء تنموي؛ بل معين اقتصادي كبير من الثروات الطبيعية، والتمكين للعنصر العُماني المُقيم بها وسوق تجاري ضخم يُبنى عليه اقتصاد كبير وخطط تسويق هائلة. فإفريقيا بكثافتها البشرية الكبيرة يمكنها خدمة الاقتصاد العُماني، وتشجيع المستثمر العُماني من كافة الشرائح الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بقليل من التخطيط والدعم المالي، وذلك عبر فتح مظلة التمويل لتمتد للراغبين من العُمانيين إلى جغرافية إفريقيا، وهذا يتطلب منا فقط الخروج من الصورة النمطية السلبية عن قارة إفريقيا والتي سكبها الغرب في عقولنا بقصد تحصين مصالحه وحمايتها، وإبعاد الجميع عن الكنز الأفريقي. إفريقيا اليوم تخوض حرب استقلالها الثاني بصمت، وتنفتح أقطارها تدريجيًا على قوى عظمى صاعدة، وتخرج من هوياتها الاستعمارية والتي كبلتها بهويات لغوية وثقافات غربية لعقود لتعود مجددًا نحو ذاتها، وتختار هويات لغوية وثقافات تبنيها في الداخل وتسوقها بثبات للخارج، لهذا سنرى عن قريب استقلالات أفريقية جديدة وبنكهات وطنية فالغرب ينحسر ويحتضر والشعوب ستنتصر.

قبل اللقاء.. إفريقيا محنة دائمة لن تزول إلا بزوال الغرب، وجُرح دائم لن يندمل في ظل أطماع الغرب وجشعه واستغلاله وانعدام ضميره مع غياب ضمير العالم الحر وتصديقهم للبروبجاندا الغربية عن إفريقيا.

وبالشكر تدوم النعم.