حان وقت العمل

حاتم الطائي

◄ العودة للحياة الطبيعية مشروطة بمواصلة الإجراءات الاحترازية

◄ تسريع وتيرة تنفيذ المشروعات يحقق التعافي الاقتصادي المنشود

◄ نحتاج لحلول تمويلية منخفضة التكلفة وتسهيلات للمستثمرين الجادين

عادت دورة الحياة إلى طبيعتها في مختلف مُؤسسات الدولة والقطاع الخاص، بعدما بدأ تطبيق القرارات الصادرة عن اللجنة العُليا المُكلفة ببحث آلية التَّعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، والتي تتضمن عودة 100% من مُوظفي الجهاز الإداري للدولة إلى مقرات عملهم، وكذلك عودة جميع الأنشطة والفعاليات، فضلاً عن الاستئناف المُرتقب للدراسة الحضورية في المدارس والجامعات، كل ذلك يدفعنا بحماس إلى التفاؤل بأنَّ عجلة الحياة الطبيعية قد عادت إلى الدوران، وأنَّ علينا جميعًا- أفرادًا ومؤسسات- أن نبذل أقصى ما نستطيع كي تستمر الحياة، ونبدأ مرحلة التَّعافي الحقيقي.

ولا شك أنَّ هذه العودة ينبغي أن يُصاحبها التزام تام بالإجراءات الاحترازية، فلا مجال للتَّهاون، ولا مجال للعودة للوراء بسبب استهتار البعض وتجاهلهم للتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية، فلقد عانى الجميع من وطأة جائحة كورونا، فخسائر الشركات والمُؤسسات لم تتوقف منذ مارس 2020، وكلما صعد المُؤشر الوبائي هبط بشدة مُؤشر النمو الاقتصادي، وتراجعت بصورة حادة وتيرة تنفيذ المشاريع؛ بل وقد يتجمد بعضها، نظرًا لشح السيولة. وللأسف ونتيجة لتراجع الطلب على خامات النفط منذ تفشي الوباء، وكذلك تداعيات حرب الأسعار التي طالت الذهب الأسود، تأثرت ميزانيات الدول المُصدرة للنفط بشدة، وواجهت متاعب اقتصادية أضرت بصورة بالغة بمسيرة التنمية فيها، ومنها السلطنة؛ حيث هبطت الإيرادات العامة للدولة منها على سبيل المثال في أغسطس 2020 إلى 5.5 مليار ريال، مُقارنة مع 7 مليارات ريال في أغسطس 2019، أي أننا خسرنا 1.5 مليار ريال، وأرقام الشهور الأخرى خاصة مع تعمق أزمة كورونا وتطبيق الإغلاقات ومنع الحركة، تُشير إلى مزيد من التراجع، الأمر الذي فرض على الحكومة خفضاً كبيرًا في الإنفاق، علاوة على التوجه الحكومي الذي بدأ قبل سنوات لترشيد النفقات الحكومية الجارية والاستثمارية. وزاد من الأزمة حالة الإنهاك التي تعرض لها القطاع الصحي نتيجة لزيادة أعداد المُصابين بفيروس كورونا وكذلك ارتفاع حالات العناية المركزة، وإغلاق العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفقدان الوظائف، فخيمت على حياتنا العامة حالة من عدم التَّفاؤل والإحباط لدى البعض. ولذلك لا ينبغي أبدًا لأحد أن يقبل بالعودة لهذه الفترة العصيبة؛ بل أن نعمل سويًا بتكاتف الجهود من أجل الحفاظ على ما حققناه من مُنجزات على سبيل مُكافحة وباء كورونا، ومُواصلة عمليات التطعيم باللقاحات المُضادة، وأن يُسارع كل شخص لتلقي اللقاح.

لكن على الرغم من ذلك، نجد أنَّ المُؤشرات المالية، تظهر أنَّ إجمالي إيرادات الدولة بنهاية يوليو الماضي ارتفع إلى 5 مليارات و214.2 مليون ريال عُماني، بالتوازي مع صعود متوسط أسعار النفط إلى 54 دولارًا، وهو ما ساهم في رفع إيرادات الدولة من النفط إلى 3.57 مليار ريال، وأيضًا زيادة الإيرادات الجارية بنسبة تقارب 35% بفضل أرباح استثمارات جهاز الاستثمار العماني، وكل هذه الأرقام مبشرة، وتنبئ بمستقبل واعد على المديين المنظور والمتوسط، خاصة إذا ما وضعنا في عين الاعتبار نجاح تنفيذ برنامج التوازن المالي، ومُواصلة جهود زيادة الإيرادات غير النفطية، وعلى رأسها حصيلة تطبيق ضريبة القيمة المُضافة.

لكن ولكي نُحقق الآمال المعقودة على نجاح عودة الحياة إلى طبيعتها ينبغي الأخذ بعدد من العوامل؛ أولًا: تسريع وتيرة المشاريع المُؤجلة، خاصة المشاريع ذات الصلة بالتنمية السياحية والمشاريع الصناعية، فعلى مدى ما يُقارب العامين، هناك العديد من المشاريع التي كان من المُؤمل أن ترى النور، تعاني من التوقف، بعدما كان من المُخطط لها الافتتاح في 2020 و2021.

ثانيًا: مراجعة شاملة لأداء المؤسسات الحكومية، وخاصة فيما يتعلق بتسريع وتيرة العمل وتخليص المعاملات، فحتى الآن ما زالت الإجراءات بطيئة، والكثير من المشاريع تواجه عقبات إدارية، والتحول الرقمي لدى بعض المؤسسات دون مستوى التوقعات، علاوة على التصرفات البيروقراطية التي يُمارسها بعض المُوظفين مع المُراجعين، ونعلم عن مشاريع واعدة تُكافح من أجل تخليص مُعاملة في جهات بعينها منذ شهور، والنتيجة أنَّ المشروع متوقف، بينما صاحب المشروع يتكبد الخسائر يومًا تلو الآخر.

ثالثًا: تفعيل التسهيلات المُقدمة للمستثمرين، وتقديم المزيد منها، فعلى الرغم من النجاحات التي صاحبت زيارة الوفد السعودي إلى السلطنة، إلا أننا لم نشهد الإعلان عن مشروع واحد يخرج للعلن، أو قيام شراكات ثنائية بين رجال الأعمال من البلدين، وهذا يعني أنَّ الطرفين ما زالا في مرحلة استكشاف الفرص، وهي مرحلة إيجابية على كل حال، لكن الآمال كبيرة للغاية فيما يتعلَّق بمستقبل علاقتنا مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية. وهنا لابُد أن أشيرُ إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي مسألة عقد الشراكات مع المُستثمرين المحتملين الذين نرغب في استقطابهم إلى بلادنا لكي يستفيدوا من الميزات الهائلة التي يتمتع بها وطننا، وفي المُقدمة البيئة الاستثمارية الآمنة، والموقع الاستراتيجي والمقومات اللوجستية الكبيرة من موانئ متطورة وشبكة طرق على أعلى مستوى من الجودة. عقد الشراكات لا يجب أن يتوقف عند مسألة توقيع مُذكرات التفاهم، بل أن نخطو خطوات كبيرة للأمام وأن نختصر المسافات عن طريق تذليل العقبات والحد من الإجراءات البيروقراطية.

رابعًا: تقديم المزيد من الحلول التمويلية المنخفضة التكلفة بفوائد بنكية لا تتجاوز 3%، لتوسيع المشاريع القائمة وبدء مشاريع جديدة، فكم من الأفكار الرائدة يحملها شبابنا في ذهنه لكنه لا يجد التمويل الكافي لتنفيذ مشروعاته، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الحد من القروض الشخصية الاستهلاكية التي تتسبب في زيادة التضخم، والتوسع بكل جرأة في القروض ذات الصلة بقطاعات التصنيع والإسكان، وأي مشروع يُسهم في توظيف ولو مُواطن واحد، عندئذ سنُحقق تعميق الاقتصاد الذي ننشده جميعًا.

وختامًا.. نقول ونؤكد أنَّه حان وقت العمل الجاد الدؤوب بلا توقف، وأن علينا أن نُنجز الكثير من المشاريع خلال الأشهر الثلاثة المُقبلة، نريد أن يكون هذا الربع الأخير من العام، فترة الانتعاش والازدهار لعام 2021، كي نستقبل عام 2022 بمعنويات مُرتفعة وأداء مالي واقتصادي مُحفز على مواصلة الجهد والعطاء.