اللون الأبيض.. عُمان واليابان

 

المنذر بن محمد بن سالم العلوي

 

رُفع اللون الأبيض عالياً عند كليهما، وتوسط الأحمر علميهما، وقد آمنت أنَّ الصدف لا تكون صدفًا، إنما كل شيء يحدث بسبب ولسبب وبدأت في رحلة التفكر بالسبب.

تربينا على حُسن المُعاملة ومكارم الأخلاق، كما هي العادات العمانية الأصيلة، التي أتمها الدين الإسلامي، ونشأت مبادئنا من تاريخنا العريق، ويظهر منها في لباسنا الثوب العماني الأبيض، الذي كل ما أرتديته أشعر بالسلام والفخر بأني عُماني.

وفي رحلة السبب ارتديت اللون الأبيض، الذي كل ما ارتديه أشعر بالحماس والقوة والاتزان، ها هو لباس الكاراتيه الذي يأخذني من سلطنة عُمان إلى اليابان في كل مرة أرتديه؛ فهو وسيلة السفر بلا سفر، والسبب الذي أوصلني لسبب رحلة التفكر في السبب.

لا أزعم أني أعلم كل الثقافة اليابانية، ولكن أنا متأكد في قناعة ذاتي أني وصلت لجوهر تقدم اليابان، ولجوهر أخلاق المواطن الياباني، نحن لا نأخذ المدلولات اللونية في الحكم على الشيء ما لم نره في أرض الواقع، وبشهادة العالم أجمع بأن عمان واليابان متميزان بالسلام وحسن المعاملة، وهنا تؤكد المدلولات اللونية في الإعلام، الجميل هو أن العمق أجمل من الظاهر، فعندما نرتدي الأبيض فنحن نرسخ السلام في أرواحنا وذواتنا، لتظهر تلك الأرواح المسالمة للعالم، ففي بلدي عُمان تقاليد وابتكارات قديمة وحديثة، وفي كوكب اليابان ابتكار مستمر وعندما قلت إني متأكد من معرفتي للجوهر الياباني، فأنا استندت على معرفتي بالكاراتيه، فشعب اليابان يمارسون الكاراتيه منذ الصغر، وللتميز في الكاراتيه هناك مبادئ مستمدة من البيئة اليابانية وقواعد تطور اللاعب في الأداء الرياضي، فعندما تعلمنا الكاراتيه علمنا بأنه لن تكون هنالك قوة من العضلة، ما لم تكن هنالك قوة من الداخل، ولن يكون هنالك جودة في الأداء، ما لم يكن هناك التكرار وتصحيح الأخطاء والمحاولة، وهذا في الكاتا، أما في الكوميتيه، فلن يكون هنالك فوز، ما لم يكن هنالك ابتكار أدائي وسرعات وتركيز أثناء الاشتباك، ومن هنا ترسخت هذه السلوكيات في أذهان الياباني إلى أن أصبحت اليابان كوكب الجودة والابتكار والتطور، فمن المعلوم أن مُمارسة سلوك وتكراره ينتج لنا أسلوب حياة ونظام تفكير.

كذلك الحال بجوهر مبادئ المواطن الياباني،  فأخلاقيات الكاراتيه مستوحاة من البيئة اليابانية، فممارسة شيء والالتزام به منذ الصغر يولد إنشاء قاعدة مبدئية وفكرية، فعندما تمارس الكاراتيه يجب أن يُرتدى اللباس وينتظم في الوقت ويحترم المكان والمدرب وأن توجد الأخوة في البيئة التدريبية، وهذا ما يصنع قواعد التنشئة لدى الفرد، فتكبر معه هذا القواعد ويصبح مثل ما نعرفه ونراه من الشعب الياباني.

كذلك للشعب العُماني مبادئ تتفق في نفس المضمون وتختلف في طريقة الأداء، ومن باب حبي لطريقة اليابانيين في ترسيخ المعلومة فقد أخذت على عاتقي ترسيخ المبادئ العمانية بأسلوب الكاراتيه، وهذا الشيء يجعل من ثقافة البلدين قلبا واحدا لجسدين، فالتمست التغيير في حياتي من الكاراتيه وأنشأت كتابي الأول من نوعه في سلطنة عُمان الذي يدمج بين التنمية البشرية والكاراتيه،  باسم "الكاراتيه طريق إلى حياة ناجحة"، وبدأت في برنامجي على قناتي في اليوتيوب "الكاراتيه من منظور آخر"، لأنَّ اليابان لا تقوم بتدريب الكاراتيه على أنها رياضة بل على أنها حياة، وهنا نحن نحيي دائماً المعلم الأول للكاراتيه الشوتوكان غيشن فوناكوشي، لأنه جعل الكاراتيه مبدأ وحياة وعمق قبل أن تكون للدفاع عن النفس ومن كونها مجرد رياضة، فها هي مبادئ معلمنا فوناكوشي دائماً نرددها، ونؤمن بها، لأنها تتفق بالجوهر مع مبادئ العمانيين.

فرحلة اللون الأبيض توصل لنفس طريق رحلة الجودة والابتكار، ويسبقهما بناء الإنسان، وخير الأقوال هوما يرى على أرض الواقع، فهاهما الياباني والعُماني يضرب بهما المثل في الابتكار والسلام، ويرفرف الأبيض في علميهما دائماً ليخبرنا بأن الارتباط اللوني له نفس التأثير والروابط العميقة، وأن الصفاء والنقاء هما رمز للتطور والاستدامة والارتقاء.

تعليق عبر الفيس بوك