بورصة مسقط إلى أين؟!

 

غازي الخالدي

ghazi3226@hotmail.com

 

تمثل البورصة أحد أهم المؤشرات التي تعكس حالة اقتصاد البلد إيجابيا أو سلبيا، وتشكل إحدى الأدوات المالية لجذب الاستثمارات الخارجية وتنمية رأس المال المحلي، وترتبط البورصة ارتباطا وثيقا بالوضع الاقتصادي حيث تتفاعل صعودا ونزولاً بالمتغيرات الاقتصادية وتمثل واجهة اقتصادية للبلد.

بورصة مسقط إلى أين؟ سؤال نطرحه هنا ويطرحه المستثمرون مؤخرًا، لا سيما بعد مضي ما يزيد عن 4 أشهر منذ تحول سوق مسقط للأوراق المالية إلى شكله الجديد؛ كشركة مُساهمة عمانية مقفلة تعود تبعيتها لجهاز الاستثمار العماني. وفي ظل ما تشهده البورصة من انخفاض في المُؤشر وقلة السيولة المالية وضعف حجم التداول، ذلك الانخفاض المتذبذب المتواصل منذ 2017، وتلك التداعيات، قد ألقت بظلالها على المستثمرين في البورصة، لاسيما مع استمرارها في ظل توارد الأخبار الإيجابية للتعافي الاقتصادي وعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها.

بورصة مسقط وصلت لمستويات قياسية من انخفاض المؤشر؛ حيث وصل في أيام تداولات كثيرة إلى أقل من 3380 نقطة ومن ثم إلى أقل من 4000 نقطة وأحياناً وصل قيمة حجم التداول اليومي إلى أقل من 900 ألف ريال في ظل حيازة المستثمر العماني على ما نسبته 81% من حركة بيع الأسهم والسندات خلال شهر يوليو الماضي ناهيك عن عدم وجود صانع السوق وعدم تفاعل البورصة وحركة التداول إيجابيا مع النتائج الإيجابية ومؤشرات الربح للشركات المساهمة للربع الثاني من هذا العام بل استمر التداول بانخفاض لبعض الأسهم وبسعر أقل من قيمتها الدفترية مما تسبب في خسائر متتالية لبعض المستثمرين.

إنعاش البورصة واحدة من أهم الأدوات التي يجب- وعلى الفور- البدء بها وتحريكها بعد لحظات الموت السريرية التي شهدتها البورصة خلال هذا العام، وذلك يتمثل بجذب استثمارات الصناديق المحلية والخارجية للاستثمار في البورصة، ونعلم أن الصناديق الاستثمارية المحلية وفق ما توفر من معلومات تستثمر خارجياً بمبالغ قد تصل إلى ضعف ما يتم استثماره في بورصة مسقط، وهنا تكون المسؤولية على عاتق إدارة البورصة وجهاز الاستثمار، من أجل المضي قدماً في جذب تلك الاستثمارات للسوق مما يزيد من حجم السيولة وقيمة التداول. ولا يمكن جذب الاستثمارات قبل تعزيز نشاط السوق وزيادة السيولة فإن على إدارة البورصة النظر في تخفيض عمولة التداول وزيادة ساعات التداول للتماشي مع البورصات العالمية.

هنا يجب على جهاز الاستثمار وفق ما لديه من صلاحيات حددها المرسوم السلطاني رقم 57/ 2021 وضع خطة واضحة تطمئن المستثمرين- خاصة الصغار منهم- لإنعاش البورصة وفق منهجية واضحة ومحددة للمدى القصير على أقل تقدير. وهنا أجدها فرصة سانحة للتعقيب على بعض التصريحات بأن الاكتتابات وحدها غير قادرة على إنعاش السوق في ظل ضعف السيولة المالية واستمرار انخفاض المؤشر.

وبما أن التداولات اليومية بالبورصة تشهد حركة شراء وبيع للصناديق الاستثمارية المالية وأيضًا استثمارات جهاز الاستثمار، يبدو السؤال جليًا: من هو صانع السوق؟ وما الدور المناط باستثمارات جهاز الاستثمار؟ وهل من الممكن أن يلعب جهاز الاستثمار دور صانع السوق؟

أسئلة عدة تحتاج إلى أجوبة صريحة وشفافة وبصورة عاجلة.

إن الشفافية والرقابة المحكمة والأخذ بمعطيات البورصة بتداولاتها اليومية، بات أحد أهم أسس تطوير البورصة وتوجيه بوصلتها نحو المسار الصحيح، وهنا لابُد من مراجعة وتخفيض النسبه من 5% لحركة كبار المساهمين إلى 1%، كما كان معمولا به قبل 2017؛ مما يعزز من مبدأ الشفافية والرقابة ومعرفة التداولات اليومية لمن يملك 3% على سبيل المثال، وتداولاتهم في الأسهم القيادية والأسهم التي تشهد عند ارتفاعها عروضًا كبيرة.

كذلك ينبغي فرض الرقابة وبحزم على حركة التدولات اليومية للشركات القيادية وحجم العرض والطلب للسهم وبالتالي زيادة ثقة المستثمرين بالبورصة ولن يتأتى ذلك إلا بتحديث اللوائح الحالية وسن تشريعات جديدة من شأنها أن تعزز مبدأ الشفافية وحماية صغار المستثمرين.

إن عامل الشراكة في صياغة رؤى البورصة المستقبلية عامل مهم في تعزيز مكانة البورصة وحفظ حقوق المساهمين بمختلف مستوياتهم ولابُد للشراكة أن تتم من خلال تبني أفكار ورؤية المساهمين وتطلعاتهم للبورصة والأخذ بعين الاعتبار كل ما يطرح من جانبهم، بل والعمل على ترجمة تلك الأفكار إلى واقع ملموس بما يخدم البورصة ولذا على إدارة البورصة فتح قنوات شراكة وتواصل حقيقية مع المُساهمين وتلمس مُقترحاتهم وما يطرح على مختلف قنوات التواصل الاجتماعي فلكنا شركاء في تعزيز البورصة والمضي بها قدمًا إلى آفاق أرحب.

والشيء بالشيء يذكر، فإنَّ التعاطي الإعلامي مع البورصة والترويج لها لم يصل لمستوى الطموحات بعد، ولم نشهد له تغير في ظل تنافسية البورصات على مستوى المنطقة للترويج عبر مختلف الوسائل والتعاطي الإعلامي المكثف عبر التحليل والنقاش واستخلاص النتائج.

ختامًا.. لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تغرد البورصة وحيدة بدون تكاتف الجهود الأخرى من مختلف الجهات وبدون مشاركة من المساهمين في رسم الملامح المستقبلية للبورصة وتوجهاتها وبدون حوار وتبنٍ للمقترحات والأفكار ولا يمكن أن نرى- كمتداولين- وضع البورصة حالياً ونظل بدور المتفرج فالهدف والغاية واحدة هي تصحيح مسار البورصة والانطلاق بها إيجابا.

تعليق عبر الفيس بوك