العلاج بالأخلاق

 

يوسف العطار

@yousufalattar77

المتأمل في واقعنا المعاصر يدرك أنَّ كثرة المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات دليل على خلل في المنظومة الصحية الشخصية لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات.

البعض ينظر لها من ناحية بيئية كالتلوث والازدحام والمخلفات، والبعض ينظر لها من ناحية بدنية كالسهر وقلة النوم والنظام الغذائي والرياضة، والبعض ينظر لها من ناحية طبية كضعف استخدام المكملات الغذائية ومضادات الأكسدة سواء كانت طبيعية أو عقاقير وهكذا.

إن الخالق جل جلاله خلق الإنسان وأودع فيه أسراره التي لا تنتهي، فهذا المخلوق المعجز (الإنسان) يحوي داخله مصنع أدوية وعقاقير طبية ومكملات يعمل ليل نهار سواء كنَّا في حالة يقظة أو في حالة نوم عميق، فالغدد وأنزيمات وهرمونات الجسم المختلفة لم توضع عبثاً "صنع الله الذي اتقن كل شيء".

وفي الحقيقة هناك جانب يغفل عنه معظمنا مع انغماسنا في مشكلات الحياة وأحداثها المسارعة، والخوف من الرزق والقلق على أمور لسنا قادرين على احتوائها أو السيطرة عليها وهو جانب الأخلاق والمعاملات.

الإنسان مركب من جسد وروح، وكل ما ذكر أعلاه هو اهتمام بالجانب الجسدي وإهمال للجانب الروحي، فالروح هي مكمن الطاقة وهي المحفز الأقوى على التشافي والتعافي من معظم الأمراض التي فتكت بالعالم اليوم، هذا الجانب (الروح) كان ولا زال أولوية في جميع الديانات السماوية وختمت برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال أيضاً "الدين المعاملة".

إن الله جعل هذا الكون يعمل بنظام محكم، وكل ما في الكون يؤثر ويتأثر بهذا النظام، وفي علم النفس يوجد نظرية تدعى "تأثير الفراشة" وملخصها هو: "لو أن فراشة خائفة رفرت بجناحها لخطر أحاط بها في أمريكا، من الممكن أن تحدث عواصف مدمرة في أفريقيا".

كل ذلك بسبب خلل في تيارات الهواء المضطربة حول الفراشة والتي لا نعيرها اهتماماً، تراكمت عبر آلاف الأميال لتسبب تلك العاصفة المدمرة في مكان ما في العالم.

لو تأملنا الآية الكريمة "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" لعلمنا يقيناً سبب ما يحدث حولنا سواء كان ذلك على المستوى العالمي أو الشخصي، لأنه وكما أسلفت الكون منظومة مترابطة محكمة الانسجام ببعضها وأي خلل مهما كان صغيراً قد يحدث عواقب وخيمة في المستقبل.

ومن أجمل القوانين الكونية، قانون "السبب والنتيجة" وهو قانون يمكن تلخيصه بعبارة "كما تدين تدان". ولو أن كل فرد منا راقب أفعاله، وصحح أخطاءه، وأصلح ما بينه وبين ربه أولاً ثم أصلح ما بينه وبين الكون بما فيه من بشر وحجر وشجر لرفع البلاء، وانحسر الفساد، وعاد توازن الكون وحل الرخاء والسلام.

راقب أفكارك قبل أن تتحول إلى معتقدات، وراقب معتقداتك قبل أن تتحول إلى سلوك، والفكرة الإيجابية ستخلق سلوكا إيجابيا لا شك والعكس صحيح.

ولو رجعنا للنقطة الأولى (كثرة المستشفيات..) لقلنا في الحقيقة لا توجد أمراض وإنما توجد أفكار خاطئة وسلبية بحاجة لتعديل، والله بكرمه يبتلينا بالأمراض ليُخفف عنا، قال صلى الله عليه وسلم "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها".

فإذا أدركنا الخلل زال الكرب والألم بإذن الله. ولنتذكر كرم الله علينا في هذه الآية الكريمة: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا"، ويقول سبحانه "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ".

دمتم في سلام وحب..

تعليق عبر الفيس بوك