كفانا جماعيات (2)

 

شاكر آل حمودة

 

كان هناك رجل يُرسل لصديقه رسائل جماعية عامة أو رسائل مهنية أو جُمَعِية أو صباحية أو مسائية، وبعد مرور سنتين لاحظ أنَّ صديقه توقف ولم يعد يقرأ أو يرد على تلك الرسائل فغضب في داخله وأخذه الزعل والجفاء بالقطيعة وبعد فترة أرسل إليه قائلاً لماذا لا ترد على رسائلي؟!!

فجاءه اتصال من الرقم ذاته وبادره غاضباً بالعتب دون سلام ولكن توقف بعدها فصوت المتحدث الآخر لم يكن صوت صديقه فسأله من أنت قال أنا صاحب الرقم، قال لا تكذب عليَّ فصاحب الرقم هو صديقي وأعرفه جيدا عز المعرفة وهذا ليس صوته هل هو مختبئ ويستمع للحديث أم متعذر من لقائي ولم أعد مقبولا لديه أم أنَّ عليه دين يتهرب منه ؟!!!

قال له لا أبداً بالفعل هذا رقمي وأنت كنت ترسل وأنا لا أقرأ فما ترسله ليس مجالي ولا أحب الرسائل الجماعية بكثرة فقد كنت محرجاً من التحدث إليك بذلك لكي تتوقف عنها!! ولكن كأني سمعتك تقول إن الرقم يخص صديقك وإنك تعرفه جيدا، فإلى أي مدى تعرفه؟! هل هو مُقرب منك كثيرا؟!

قال نعم هو صديقي ويعز عليَّ كثيرا وكأنه أحد إخواني لكنه في الفترة الأخيرة لم يكن يرد على رسائلي !!

قال له منذ متى توقف عن الرد عليك؟

قال .. مرتبكاً لا أدري ربما .. مممم من تقريبا .... مممم

وهنا قاطعه المتحدث.. يا أخي تدعي أنَّ صاحب الرقم هو صديقك وعزيز عليك وكأنه أحد إخوانك !! أي افتراء هذا !!

أنا هذا الرقم معي من سنتين الآن.. وصديقك الذي تقول عنه عزيز عليك مُتوفٍ منذ ثلاث سنوات وأنت تُرسل له هذه الرسائل؛ فالآن ليس له حول ولا قوة للرد عليك فهو تحت الأرض لمُلاقاة ربه يوم العرض أمام خالقه يرتجي العفو والمغفرة من خالقه ثم منك الدعاء ورسائلك الدنيوية لم تعد تصل إليه هو انقطع عن الدنيا وأهلها وأنت لا زلت ترسل إليه أكواما من الرسائل المعرفية ورسائل الجمع والمناسبات والصباحات والمساءات وأنت لا تدري أنه تحت رحمة الله يرقد في قبره؟!

لو كان عزيزًا عليك لعلمت الحال الذي آل إليه ولزرته وقتما كان مرقداً بالمستشفى أوبادرت بالاتصال به للاطمئنان عليه ثم لو كنت قريباً منه كفاية لحضرت جنازته وصليت عليه وعزيت أسرته ولدعوت له دعوة تنفعه عند ربه بدل هذه الرمال (أكوام الرسائل) التي كنت تكدسها على رقم هاتفه الدنيوي الذي غادره من ثلاث سنوات وهو اليوم في قبره.

تفقدوا أحبابكم واسألوا عنهم كفاكم جماعيات كأكوام الرمال المتحركة التي أغرقت كل القيم والمعاني العظيمة التي كانت سائدة في نفوس أبائكم وأجدادكم تفقدوهم تفقدوا أحوالهم فلربما منهم من هو مسجى في أسرة المستشفيات ومنهم من عجز عن الخروج من المنازل لمرض مُؤقت أو مزمن بادروا بالسؤال عنهم بالاتصال والرسائل المُباشرة التي تخاطب الحال والأحوال تسأل عن الصحة والعافية والاطمئنان في زمن تعذر فيه اللقاء وساد فيه التباعد في مثل هذه الظروف، رَطِّبُوا صداقاتكم وأُخُوَتِكُم الحقيقية بالسؤال عن أصدقائكم ومحبيكم وتفقدوا أحوالهم، حتى لا تُصدموا برحيلهم بعد سنوات ضاعت في أوعية لا قيمة لها ولا تشفع للعبد عند ربه يوم يكون الحساب مُثقلاً حتى على الفتيل والنقير والقطمير.

تعليق عبر الفيس بوك