حريق رأس الحرق

حمد بن محسن العبري

الحمد لله حمد الشاكرين وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بداية ذي بدء نحمد الله في السراء والضراء، ونقول كقوله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) صدق الله العظيم، كما نتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من ساهم وشارك وتكبد الأخطار في إطفاء الحريق في رأس الحرق فإطفاء النيران هو إنقاذ للحياة الفطرية، فبالغطاء الأخضر نحيا وبدونه تزداد الحياة تعاسة، فالبيئة هي جزء من حيوية الحياة.

ولنبدأ بالقول بعد الشكر أن كل حادث ما لم نأخذ منه العبرة والعظة فهو حادث عابر لا فائدة منه.

حريق رأس الحرق حادث بالنسبة لي وأنا اقترب من الستين سنة لم يحدث في عمري الذي مضى وإن ذكر بعض المُتقدمين حدوثه في زمن قبل زماننا وكان قد استمر قرابة الأسبوعين وهو وقت طويل لعله قضى آنذاك على البيئة الحيَّة سواء الحيوانات أو الأشجار، وهذا بطبيعة الحال قضاء وقدر ودوام الحال من المحال وفي هذه الدنيا موت وحياة.

وحيث إن ذاك وقت مضى ولعل الآباء والأجداد اعتبروه كما أشرت قضاء وقدراً ويتولى من قضاه عز وجل أن يرفعه.

لكن نحن الآن في القرن الحادي والعشرين يجب علينا أن نأخذ بالأسباب من هذه الحادثة ونأخذ العظة والعبرة ونحاول أن ندرس الأسباب لنضع لها الحلول لنتعلم ونعلم من يأتي بعدنا عن الكيفية التي يُمكن أن يتصدى لمثل هذا الحادث الكبير في تلك المناطق الوعرة البعيدة عن السكنى وباتساعه الكبير الذي وصل لأكثر من أربعة كيلو مترات بارتفاعات المنطقة العالية وأعماقها السحيقة وارتفاع أشجارها مُقابل تعمق جذورها في أعماق الأرض كل ذلك يصعب من أداء المهمة، ويزيد من تكاليف مُعالجتها.

ثانياً: الأسباب المتوقعة للحادث:

وحتى نضع الحلول لابد من معرفة الأسباب ودراستها فمن وجهة نظري السبب هو أحد الأسباب الآتية:

  • احتكاك بعض الأشجار ببعضها أو الأغصان في الشجرة الواحدة بعضها ببعض واشتعال النار، وفي هذا السبب لابد أن تتوافر له الملاءمة للاشتعال وهي وجود مادة تساعد على الاشتعال وهي معروفة.
  •  أو أن تكون من خارج الأشجار على سبيل المثال ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة تساعد على اشتعال النار في الحشائش.
  • عامل البرق والرعد أثناء المواسم وبطبيعة الحال أن الصواعق عندما تحدث وتضرب في شجرة أو حشائش على أثرها تشتعل النيران.
  • الاستعمال السيئ والإهمال وعدم الاكتراث ممن يسير إلى تلك المناطق لأي سبب سواء راعي غنم، أو سائح، أو عابر سبيل، وذلك بأن يوقدوا النار للطبخ أو التدفئة في تلك المناطق وهي باردة بسبب علوها، ويكون إيقاد النار تحت شجرة، والمعروف أن أشجار الجبل تسقط أوراقها تحتها وعلى طول الزمان تتراكم، ويأتي السائح ويوقد النار تحت الشجرة وتبدأ تنتشر أسفل في الأوراق المتراكمة دون أن يشعر الذي أوقد النار إلى أن يتفاجأ أن النار اشتعلت في كل مكان مما يصعب إطفاؤها، أو يشعل النار قريبًا من حشائش يابسة فتأتي الرياح وتأخذها يمنة ويسرى والسائح لاهٍ، وينتبه بعد أن تأخذ النار مأخذ يصعب عليه إطفاؤها .

وهناك ممن يكون الإهمال ديدنهم فعندما ينتهون من رحلتهم ويريدون مُغادرة المكان يتركون النار مشتعلة ولا يتحسبون عاقبة أعمالهم لذلك فيأتي الهواء وينقل الشرر وتشتعل النيران.

تلك هي بعض الأسباب التي لا أعتقد أنَّ حادثة حريق رأس الحرق تخرج عن واحد من أسباب الحريق الذي نحن بصدده.

ثالثا: تحليل الأسباب:

فإذا أردنا تحليل الأسباب الأربعة المذكورة أعلاه لنحاول استشفاف الحقيقة في كيفية حدوث حريق رأس الحرق فأقول:

  1. السبب الأول، احتكاك الأشجار أو الأغصان بعضها البعض، وهذا من وجهة نظري المتواضعة أنه لا ينطبق على هذا الحادث، لماذا لأن طول سنوات عمري ستين سنة لم أسمع أن حدث مثل هذا الحادث، وما أفهمه أن بعض الأشجار الجبلية زيتية فإذا اشتعلت يصعب إطفاؤها ولكن لا تشتعل لذاتها ما لم يساعدها أحد الأسباب الأخرى كوجود مادة الكبريت مثلا أو ارتفاع الحرارة.
  2. العامل الثاني، عام لاشتعال الحريق لارتفاع درجة الحرارة، ففي يوم اشتعال النار كانت الحرارة ما بين 25 إلى 30 درجة مئوية، وهذه الدرجة لا تساعد على الاشتعال.
  3. السبب الثالث، عامل الصواعق، فأيضاً في هذا الحادث لا يمكن أن ينطبق عليه لأنه في فترة اشتغاله لا يوجد موسم مطر ولا سحب، أما حدوث هذه الظاهرة فشيء طبيعي حيث لاحظت ذلك أكثر من مرة وحدث مرة ونحن ووالدي رحمه الله في جبل السراة وذلك بأن ضربت الصاعقة إحدى أشجار العلعلان على مقربة من جلوسنا وشاهدنا النار وهرعنا ومن معنا بالماء وأطفأناها قبل أن تنتشر.
  4. السبب الرابع، وهو السبب البشري وهو أقرب الأسباب لحادث الحريق فمنطقة رأس الحرق معروفة بكثافة أشجارها البرية من العتم والعلعلان وشجرة الشحث كما أنه غني بحشائش السخبر، وهي من الحشائش التي يستخدمها المجتمع في فراش لأماكن ربط البقر وبعضهم في الطبخ وهذه الأماكن يكثر الرعاة لرعي أغنامهم فيها.

ومن هنا فأقرب الأسباب لاشتعال الحريق هو هذا السبب والأرجح أن يكون مجموعة من المغامرين السياح قد جاءوا إلى تلك الربوع وقضوا ليلة جميلة هناك وعند مغادرتهم أهملوا إطفاء النار التي أشعلوها وقد يكون بغير قصد ولكن على أي حال بقصد أو بغير قصد هي جريمة بيئية شنعاء لا يغفر لمرتكبها حيث إهماله وانتشار النار قد يكلف كثيراً من المال والجهد مثلما حدث في حريق رأس الحرق.

رابعا: دراسة الحلول:

ومن منطلق ما حدث فإنَّ الأمر يحتاج إلى دراسة وابتكار حلول للحيلولة دون وقوعها أو تقليل الخسائر المعنوية أو المادية على الأقل.

فتداول المجتمع كثيراً من المقترحات نتمنى أن تدرس باهتمام كونها نبض المجتمع وأهمها:

  1. دعم مركز الشرطة بالولاية بالأدوات والأجهزة التي تمكن من الانطلاق بسرعة في مثل هذه الحالات بما فيها صلاحية مباشرة لمدير المركز لطلب الطائرة لكيلا يتأخر في الإنقاذ أو غيرها من الأمور التي تطمئن المجتمع بأن المركز له صلاحية أكبر نظرا لظروف ولاية الحمراء من حيث اختلاف أرضها من سهول وجبال عالية وأودية سحيقة.
  2. تدريب كافة أفراد الشرطة في الولاية بما يتلاءم وظروف الأرض.
  3.  بناء برك تجمع ماء المطر مثل التي أقامها الأجداد عند الشرف (بركة الشرف)، وهذه يمكن أن يتم عملها من قبل متطوعين على أن يتم دعمهم بتوصيل المواد بالطائرات كالأسمنت والماء.
  4.  إقامة سدود بأحجار البيئة على مجرى الشراج ولو صغيرة، وأيضًا هذه يمكن أن تتم بجهود أهلية بدعم لجوستي من سلاح الجو لتوصيل الماء والأسمنت.
  5. محاولة شق طرق لتقرب المسافة بين هذه المناطق لتسهل توصيل الخدمات اللوجستية الهامة للتنفيذ.
  6. دراسة حالة الطوارئ لمثل هذه الحالات يشترك فيها الجانب الأهلي والحكومي فكلنا المجتمع والحكومة لها هدف واحد وهو الأمن والاستقرار.
  7. إنشاء فرق طوارئ أهلية وإعدادهم وتدريبهم على مثل هذه الحرائق لطلبهم حسب الحالة التي تطرأ بدلاً من العشوائية غير المنظمة.
  8. عمل الأنشطة المختلفة وقت إجازة الطلبة و تدريبهم على مثل هذه الحالات
    وغير ذلك ليكونوا عارفين بطرق العمل في مثل هذه الحوادث .
  9. من أجل تنظيم آلية التعامل مع مثل هذه الحوادث مستقبلا، سيكون من المهم تشكيل فريق الحمراء للعمل التطوعي، لإسناد الجهات المعنية في حوادث (الحرائق.. السقوط من الجبال.. الغرق.. فقدان أشخاص.. أضرار الأمطار.. إلخ)، وبما يمكن من القيام بأي عمل استباقي منظم من شأنه احتواء أي حادثة قبل استفحالها حيث كما هو معروف بأنه قد حدث تأخر في الاستجابة لهذه الحادثة ولأكثر من 9 ساعات.
  10.  لدى الولاية أكثر من فريق مختص بالمغامرات والتسلق، وبالإمكان أيضاً الاستفادة من خبراتهم ومعداتهم ومعرفتهم بالمسارات الجبلية.
  11. عند وقوع حوادث مشابهة لا قدر الله اقترح تفعيل الفريق التطوعي تحت إشراف مكتب الوالي أو أي جهة يتفق عليها، ليكون همزة وصل بين الأجهزة المعنية والفرق الأهلية الموجودة في الميدان، وأيضاً نقطة لتجمع المشاركين، ولجمع المساعدات وتلقي الدعم ولتوفير التغذية والإسناد للمشاركين في العمل وللتواصل مع وسائل الإعلام إن دعت الحاجة.
  12.  أهمية إصدار بيان يومي من مكتب الوالي يوضح آخر التطورات والإجراءات المتخذة والدعم المطلوب وتواقيت تحرك الفرق المشاركة لليوم التالي ... إلخ
  13. عمل برامج لرفع الوعي المجتمعي بهذه الحادثة وحوادث احتراق الأشجار كما حدث في الجبل الأخضر، وتعمد البعض ترك فضلات الأكل.
  14.  تؤكد هذه الحادثة أهمية وجود مراقبي الحياة الفطرية في مناطق التخييم الجبلي.
  15.  ابتكار وعمل دائرة مراقبة أمنية من خلال وضع كاميرات تعمل بالطاقة الشمسية وفي اعتقادي أن الوضع الآن متاح من خلال توفر الكاميرات بالطاقة الشمسية.
  16. استزراع المنطقة بأشجار بديلة من الطبيعة ما أمكن لإعادة جمالها وحيويتها، وهذا من شأن هيئة البيئة.
  17. تقوية الإرسال في تلك الأماكن نظرا لأهميتها في تلك القمم والمنحدرات.
  18. تشجيع أهالي الجبال على تربية الحمير أو التشجيع لعمل شركة تعمل بالسياحة عن طريق الحمير، وهذا سيفسح المجال لرقابة السياح من خلال تواجد أصحاب هذه الحيوانات.

هذا بعض ما أردنا مشاركتكم حوله، ونتمنى أن يكون مفيدا لكم لدراسة وضع الولاية الخاص المختلف عن الولايات الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك