مثنى.. وثلاث.. ورباع!

 

فاطمة بنت إسماعيل اليمانية

 

" قبل أن تبحث عن نصفك الآخر، تأكّد من أنّ نصفك الأول مكتمل، ومستعد للنصف الثاني! " أحمد الشقيري"

***

طُلِبَ منّي الكتابة عن (الضرائر) فاتّجهتُ (لسلمى) لأنّها الزوجة الأولى، وسمعتُ أنّها تعتبرُ ضرَّتها شقيقَتَها! أو ابنتَها!

قلتُ لها:

- سَمِعْت.

- كاذبون!

- إذًا لا تعتبرينها شقيقتك؟! أو ابنتك؟

- سأذبحك وأنتِ تكررين كلمة ابنتك! ثمَّة فارق عمر لكن ليس إلى هذه الدرجة!

- جميل!

- ما الجميل في الأمر؟! كل ما هنالك أنّني تكيفت! وأنتِ؟

- أنا.. ماذا؟

- ما وضعك مع ضرّتك؟!

- لا أشعر! الإسراف في إدراك الأشياء والشعور بها مرض، كما يقول دوستويفسكي!

عدّت إلى عالمي، وانهالت عليّ صور(الضرائر) تباعًا.. وتداخلت الملامح المُتَخيلة، والأسماء، وجذب الشَعر في الحلم؟! والصراع على (سبع البرمبة) كما يقول إخواننا المصريون! واكتشفتُ أنّ لي عددا لا بأس به من (الضرائر) كنّ يأتين مع أيّ خاطب، وأيّ عريس أو عشيق مقتنعة تماماً أو أدّعي الاقتناع بالمقولة المشهورة:

" إنَّ قلوب الرجال مثل حبّ الرّمان!" وربّما كان قائلها يأكلُ رماناً وهو يدلي بهذه الحكمة!

وكانت كلمة (رجال) ونحن نتداولها أثناء الحديث عن قصص الخيانات العابرة التي تجترّ نفسها مرارا وتكرارا، وصدمة الزوجات! أكبر مُواساة لنا نحن معشر النساء!

وعندما أرسلت لي (بدور):

- ماذا بينك وبين زوجي؟!

- زوجي!

ومارستُ الاستعباط معها وكأنّي لا أعرف أنّه متزوج! لكنّ غضبي ثار عندما رأيته ينتفض رعبًا وهو يرتدي ملابسه، فوقفت أمامه مطوقة ذراعي:

- إلى أين؟!

- أم ريم ستنتحر!

فغادر وعاد مليئاً بالكدمات، متأُثرا بضربات الجني الذي لبسها حال معرفتها بأنّه متزوج عليها في السر!

- ولو كان في العلن؟!

- سيُواصل شيطانها نشاطه!

ورحل (خليل) مع أوَّل قصة جنون ألفتها بدور؛ لتستعيد زوجها، ولأقول لها:

- خذيه، وغلّفيه!

- استعدته غصبا عنك!

- بضاعة مستعملة! هني وعافية!

ولتكون أول كلمة قالها لي (عمر) وهو يأخذ طبق الحلوى من على مكتبي:

  • هني وعافية!

رمقته بطرف عين، فأكمل:

- ثقافتي واسعة جدًا! حقيقة أنا من فئة الرجال الذين يروقون لكِ يا ناهد!

- مرتبطة.

- أجيد الطبخ، وأحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب!

هنا لم أستطع كتمان ضحكي:

- سمّعني إذا!

- قال محمد هو ابن مالك          أحمد ربي الله خير مالك

وصَمَت!

- أكْمِل!

- نسيت، صدّقيني شهرا كاملا أحفظها! ولكنّ من يُبصر جفونك يغفل!

- يعشق يا عمر.. يعشق!

- يغفل من شدة العشق! لكن أعدكِ أن أحفظ ديوان المتنبي كاملا، وهذه القصيدة بالذات إكراما لكِ!

وتزوجنا، رغم أنّ شقيقي قال لي:

  • آخر مرة! زوجك لآخر العمر!

فنظرت إلى عمر، كمن يبحث عن ضمان:

- لآخر العمر يا عمر؟!

- لآخر العمر.. يا روح عمر.

كان عمر مثقفاً، قارئاً نَهِماً، وحنوناً لم يترك كلمة في قاموسه العاطفي لم يحدثني بها، ويومًا ما سألته:

- لو عرفت زوجتك؟

- لم أخطئ.. شرع الله!

وعندما أضأت الشموع، وأحضرت قالب كعكة الجبن المُغطاة بطبقة من الجيلاتين الأحمر، سمعنا طرقاً عنيفاً على الباب؛ ليفتح عمر الباب ويصعق بزوجته التي دفعته بكامل قوّتها، واقتربت مني غاضبة:

  • ألم تجدي زوجاً غير زوجي؟!
  • زوجي أيضا!

ثم هجمت عليّ ودخلنا في مُشادة أذكر أنّها انتهت بنتف خصلة من شعرها في يدي! كانت خصلة مصبوغة بالأصفر المشمشي مقصّفة وجافّة، ويبدو أنّها كانت تحاول تجديد طلّتها حتّى لا يتزوج عليها عمر!

وانفصلنا بعد أن حُرم من رؤية أبنائه؛ فكان يعود إلى المنزل مهموماً، كئيباً، بطريقة جعلتني أطلب الطلاق، وأعيد له جزءًا من المهر في ظرف مع خصلة شعر زوجته إذلالاً له! أو لهما!

- هل تعرفين أكثر (ضرّة) ما زالت عالقة في ذهني؟

- من؟

- حليمة زوجة المطوع.

عندما تزوجتُ رجلاً من أهل الصلاح والورع! فأقسم بأنّه سيعدل بيني وبين زوجته، وفتح كفّتيه وحركهما للأعلى والأسفل محاكياً حركة كفتيّ الميزان! ولم يحدث أن جعلهما في نفس المستوى! كان يرفع اليمنى ويُخفِض اليسرى، أو العكس! فأمسكتُ يديه وقلت له بعد أن جعلتهما في نفس المستوى:

- هكذا.. هكذا تتساوى الكفّتان يا يحيى!

- نعم.. فعلا!

وقضى الأسبوع الأول معي بعد إفهام زوجته أنّه منتدب في مُهمة عمل! وانتهت مهمة العمل، وعاد يحيى إلى حياته، وواقعه!

وعندما علمت حليمة بزواجه، حافظت على هدوئها، وسعت للحصول على رقمي، واتّصلت بي:

- ناهد!

- نعم.. من معي؟!

- حليمة زوجة يحيى.. اسمعي، لم أتصل للعراك، هذا شرع الله، لكن أُريد أن أخبرك بأنّي أبكي بسببك!

- لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، لقد أفهمني أنّكِ موافقة شرط ألّا ترين وجهي!

- لم أقل ذلك.

- ماذا تريدين الآن؟

- زوجي؟!

ثم بكت بكاءً يشبه بكاء الفتيات الصغيرات؛ فقلت لها متأثرة:

  • تعالي وخذيه!

جاءت حليمة، وفتحتُ الباب لها، وكانت تبكي، وهي تخطو خطوات بطيئة تتلصص على الأثاث الجديد، والستائر الحريرية الملونة، وتزحف تجاه الغرفة؛ لتشاهد زوجها ممددا في بجامة نوم جديدة مُقلّمَة؛ فشهقت؛ واستيقظ على صوت نحيبها:

- أم زكريا؟

- خائن!

فاقترب منها؛ ليُخفف عنها شعورها بالفجيعة؛ ونظر إليّ وأنا أراقبهما عند باب الغرفة، وأشار لابتعد.

وأخذ يُواسيها مذكّرا إياها بحكمة الإسلام في التَّعدد، وبأنّه شرع الله الذي طبّقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت زوجاته خير قدوة لنساء المؤمنين، ثم سرد عليها قصصاً من حياة الصحابيات بصوت هادئ مليء بالسلام، واعتدلت حليمة في جلستها، وكفكفت دموعها متأثرة بكلامه، بل شعرت بالخجل من جزعها، وألمها!

انتهت ساعات العمل، وأخبرتني سلمى ونحن نقطع الممر الموصل للباب الخارجي بأنها تعاطفت مع ضرّتها بعد أن سمعت أبا محمد يحادث شقيقته؛ لتأتي وتقيم مع زوجته فترة النفاس؛ لأنّ والدتها مقعدة، وهي من منطقة نائية، وعرفت أنّها يتيمة، ومن عائلة فقيرة، تزوجها أبو محمد بعد إلحاح شقيقها عليه.

وقالت:

أعددتُ لها طعامًا، وذهبت إليها؛ فابتسَمَت لرؤيتي، كان لونها شاحبًا، وأكثر ما أثّر بي رؤية يدها المرتجفة، وهي تحاول حمل صغيرها الذي كان يبكي في مهده، ووحدتها!

- الوحدة! طرقتِ على الوتر الحساس!

- لا شيء يضاهي الشعور بالآخرين يا ناهد!

- والرحمة..

- الرحمة هي التي جعلتني أتناسى كونّها ضرّة، فاعتبرتها أختاً صغيرة، وساعدتها في تربية ابنها، بل كنتُ أحضره معي، وأتركها لترتاح إذا كانت مرهقة. وفهمتُ من كلامها أنّها تتمنى لو تزوجت رجلاً في مثل عمرها، لكنّها الظروف!

- نعم، الظروف!

- تجعل منك مجرمة أو ضحية!

- تمدك بالشجاعة، أو تسلب طاقتك على المواجهة!

- أو لا شيء.. أو كلّ شيء!

قد ندخل حياة البعض كحدث عابر أشبه بأكل وجبة فشار في سينما، أو مثلّجات في ممشى حديقة يذوب نصفه قبل بلعه، أو لحظة أسرع من قطع حبل أرجوحة تطرحك أرضًا بعد أن ترفعك للأعلى!

 

(النهاية)

 

تعليق عبر الفيس بوك