بين المهنة والتعليم

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

لا شك أنَّ المراجعة المستمرة لمسيرة العلم والتعليم، واحدة من أهم المراحل الوطنية في مسار الدول؛ فمنها وبها يتم إقرار الكثير من الأسس لخير الوطن والمُواطن وإن إعلان تشكيل لجنة من المختصين والتي يجب أن تربط أولاً بتوقيت صارم لتقديم رؤيتها.

وكذلك إيجاد قاعدة عريضة من المعنيين بالتعليم ومنهم الشباب لقراءة تجربتهم وتطلعاتهم، وأصحاب الأعمال وكل فاعلٍ في العمل والإنتاج وفق رؤية صريحة وواضحة وبتوازن دقيق بين مصلحة المهنة واستيعاب العقول بطرق عملية مناسبة، تكون محصلتها إنتاج عمل رصين ومبدع يكون مقبولاً محلياً؛ بل ودولياً، وفي الجوانب الإدارية والمهنية بما يحقق استدامة ودخل للفرد والمجتمع ورافداً وطنياً في كل الجوانب، مستفيدين من التجارب ما قبل التغيير الحالي، وكذلك التجربة الحالية في التعليم، ومستقبلاً؛ بما يكفل الخيار الأفضل وبخصوصية وطنية خالصة، مُبتعدين كل البعد عن التقليد المطبق في بعض الدول، والذي لا شك أنه يمكن أن يكون مُفيداً وعملياً في تلك الدول.

الأمر الآخر، والذي أراه من وجهة نظري الأهم، هو التفكير بجدية أبعد من مُعاملة الطلاب مقابل ما تكون النسبة المئوية لامتحان الثاني عشر؛ ففي الأمر حقائق منسية عميقة نتغافلها للأسف الشديد، فمن ناحية أن الدرجة ليست مقياسًا عادلًا أبدًا، إذا تم مقارنتها مع التوجه والهواية. ومن ناحية أخرى، فإنَّ النتيجة قد لا تكون عادلة بين من يستطيع أن يوفّر معلماً خاصاً وظروف أسر تعتمد على الابن من وقت مبكر أو الحالات الصحية أو التغيُر السريع  في مراحل النضج للإنسان بشكل عام، أو حتى استغلال وسائل وتطبيقات رقمية بطرق غير صحيحة، وكذلك قوة إشارة الإنترنت أو حتى عدم وجوده في بعض المناطق.

ولذلك فإني أرى أهمية أن تكون الجهات المعنية بالتوظيف بعيدة كل البعد في قرارتها من حرمان أي من الشباب من أن يشق طريقه بقبول ورغبة؛ بل وهواية، وهذا أمر كبير جداً في الأداء حتى في أكبر وأصغر المناصب والأعمال وألا تكون الرسالة سلبية وقاتمة لبعض المهن ووضع الصفة الدونية لها، وقد تكون الأهم والتي لا شك أنها جميعاً مشرفة، فكم من عمل مُغطى اسمياً بنتيجة علمية. أيضاً التنفيذ الفعلي نسبي ومُتباين بين كثير من الناس ويرتبط بعوامل مُعقدة جداً علينا ألا نحصرها ونحددها بهذا الاستعجال من القرارات. وكذلك فإنني أقدم توصيتي المُتواضعة حول موضوع البحث العلمي؛ إذ إنه يجب علينا جميعاً أن نقف عنده وبعمق كبير؛ حيث إنَّ البحث بدأ بطريقة غير صحيحة منذ زمنٍ مُبكر، فالطلبة في الصفوف الأولى يُطلب منهم تقديم وسائل ومشاريع يتم إنجازها وتزيينها من قِبل الوالدين وتكون جمالياتها على مستوى ما تملك الأسرة من مال، وهذا أمر خطير جدًا وتعليم عكسي بكل ما تعنيه الكلمة، وإن توصيتي المحددة في هذا الجانب التوقف فورًا عن هذ التوجه، وعلى أي مستوى علمي من تقديم أجزاء من البحوث أو المشاريع يتم إنجازها في المنزل، على أن تُخصص حصص مُعينة وقاعات دراسية محددة من الصف الأول الابتدائي وحتى الدكتوراه، يقوم فيها الطالب بالعمل داخل هذه الفصول والقاعات وبدائرة مغلقة يكون فيها البحث بحاسب آلي ودورة حاسب آلي أخرى مغلقة، وإن كتابة صفحة واحدة أمام مرأى وأعين المشرفين خيرٌ من ألف كتاب يتم تقديمه ونحن نعلم جميعاً أن الكثير جداً من هذه المشاريع والرسائل والواجبات لا يكون للطالب دورٌ فيها إلا كساعي بريد، وعلينا جميعاً ألا نغلق أعيننا وأسماعنا عن هذا الجانب المهم، وذلك بقبول التغليف المزين مقابل العلم الحقيقي، وأن نكتفي حتى بقصاصة ورق كتبت من ذات الشخص.

وإذا ما عقدنا مقارنة بالزمن الماضي ودور المكتبات، فلقد كان البحث من الكتب وأمهات الكتب بغرض إعادة كتابتها والاقتباس المؤطر بقوانين البحث العلمي فقد كان القلم هو الوسيلة أما اليوم فإنَّ المراجع بالقص واللصق حتى في الهاتف المحمول وعلينا أن نجد الطرق والوسائل لمسايرة التطور ومنعه في نفس الوقت من تدمير العلم  وذلك للمصلحة العامة.

أخيرًا.. أتمنى إن أردنا الاستفادة الفعلية من تجارب الدول، أن تكون في النواحي العملية وكيف يكون الاحترام والتقدير؛ بل والمكافأة للجميع حتى عامل النظافة، فضلاً عن بناء الثقة فيه؛ لأنه يؤدي عملا شريفا ومحترما ومقدرا والذي من خلاله يشعر بالأمان والفخر. أما إذا تمَّ الأخذ بالدرجة وخُصص لها أسماء ومناصب وتخصصات محددة، فإنَّ ذلك إعلان صريح وواضح أن المهنة والعمل والإنتاج- الذي هو روح الحياة الفعلية والتقدم البعيدة من التنظير- دونية وأنها مخصصة لأشخاص تقل قيمتهم مع قلة درجتهم وإلى الأبد، وهنا نبدأ أول خطوة بالاستمرار في إيجاد كراسي الراحة والاستراحة ومراقبة الأمم من بعيد، وهنا أضع نفسي موضع التحدي إذا وُجد أن هناك فيصل بين النجاح والإبداع وفي أي مستوى ومجال كان مربوطاً بدرجة علمية أو حتى تخصص علمي.