كوب من الشاي

 

منى بنت حمد البلوشية

بينما كنتُ أقلب أفكاري بمقالي القادم سألت من يتابعني عبر الواتساب من الأهل والأصدقاء؛ يسعدني أن تشاركوني بعنوان مقال من اختياركم فأغلبهم بعثوا لي: "اعتدنا على اختيارك لمقالاتك ونحن نستمتع بقراءتها فاختاري لنا موضوعاً نستطيع من خلاله أن نستفيد منه" بعدها فكرت بمقالي الذي وجدته متعة بالنسبة لي وسيكون كذلك لقرائي الأعزاء.

فاخترت كوبًا من الشاي فلم يكن مجرد كوب من الشاي؛ بل عدة أكواب، هكذا كان يومي كأي شخص آخر لا يخلو يومه من احتساء كوب الشاي الذي يتلذذ به الجميع، إلا أنني قررتُ وبعزم تام أن أترك مشروبي المفضل الذي لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أتركه فقد كان رفيقاً لي في ساعات السهر أثناء أداء الاختبارات وبدايات الصباح الباكر وأوقاتي الأخرى، كان الجميع يؤنبني للتقليل منه خوفاً عليّ فقد أسرفت منه وبكثرة، حينها لم أكن أستمع لهم فكنت أعطيهم الأذن الصماء.

ففي لحظة هدوء فاجأتُ الجميع من عائلتي بأنني عقدتُ هدنة مع نفسي وذاتي بتركه نهائياً، دون عودة واستبداله بكوب من الحليب الدافئ المُحلى بماء الورد والزعفران، وتارة بالزنجبيل أو بالقرفة وأحيانًا بكأس من عصير البرتقال، إلا أنهم لم يصدقوا قولي هذا قائلين لي: "من لما كنتِ صغيرة تشربي الشاي ألحين بتركينه"، فتركت قولهم؛ لأنني أثق تماماً بأنني أستطيع أن أتغلب عليه، فذاتي لم أخنها يومًا عندما أعاهدها على شيء فهي الصديق الوفيّ الذي تحمل المشاق وقطع معي الطرقات فكيف أخنها بهدنة ووعد عقدته معها؟!

ففي يوم من الأيام وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريبًا من مقاطعتي لكوب الشاي؛ وبينما كنت مع إحدى الباحثات نتبادل الأحاديث كنت أستمتع بكوب الشاي دون أن أشعر بذلك إلا بعد أن وصلت للبيت وعادت لي الذاكرة وتذكرت ذلك فأنبت نفسي ماذا فعلت وأنا التي عاهدتك لما لم تذكرينني ولكنني ابتسمت معها فحقها أن تشتاق للشاي الذي حرمتها منه، إلا أنني صمدت بألا أعود مرة أخرى وها أنا الآن أكمل عاماً وبضعة أشهر من الإنجاز الذي حققته ويتساءل من حولي كيف صمدت كل هذه المدة بلا كوب من الشاي فقلت لهم:

 "إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ولا تكُ بالترداد للرأي مفسدا".

كل ما في الأمر إن أردت أن تنجز شيئاً لابد لك أن تكون لديك عزيمة وإرادة، فكل شيء ينبع ونابع من ذاتك أنت تستطيع أن تقاوم وتصمد وتتحدى حتى ذاتك، فمهما كانت التحديات فأنت تستطيع بقوة إرادتك دون أن يُثنيك شيء، فكِّر بما أنت الآن مستعد أن تتركه وتراه ليس في صالحك وأعقد جلسة هدنة مع ذاتك أن تتركه عودها فهي تحتاج لأن تكون معها وتساندها، نحن نحتاج لأن نكون أصدقاء مع ذواتنا وأن نصارحها بما نحتاج وبما لا نحتاج.

قوي عزيمتك وتقدم فلا تبالي بأحد، فمن لديه عزيمة لديه القدرة على التغيير ويستطيع تحقيق أهدافه بطريقة سهلة وبها يكتسب من الخبرات فالإنسان الذي يمتلك العزيمة إنسان طموح واثق من نفسه يستطيع مُواجهة الصعوبات والتحديات بشتى طرقها فلا يجعل لليأس والعجز مكاناً في حياته فاترك ما تود تركه ككوب الشاي الذي علمني الإنجاز بحد ذاته ولا يكن في قاموس حياتك لا أستطيع ومستحيل.

تعليق عبر الفيس بوك